بقلم عبد الهادي مزراري
نطرق باب الجزائر ونستأذن الشعب الجزائري الشقيق لنحل ضيفا عليه لبعض الدقائق، فهو معروف بكرم الضيافة كغيره من الشعوب العربية والإفريقية.
سبب الزيارة هو إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال لقاء له في قسطنطينة في حملته الانتخابية لولاية ثانية مؤكدة وثابتة، أن “الجيش الجزائري جاهز لاقتحام غزة فقط ينتظر من مصر فتح الحدود”. وهو اعلان بمثابة نداء لكل الضمائر الحية والقلوب المؤمنة بالعروبة والإسلام.
وأضاف. تبون أنه “بحث موضوع دخول غزة مع قائد الأركان سعيد شنقريحة، وأكد له جاهزية الجيش الشعبي، وأنه على استعداد للقيام بالكثير من الأمور هناك”.
إلى حدود النطق بهذه الكلمات اهتزت القاعة بتصفيقات الحاضرين وصيحاتهم وهتافاتهم، حتى الذين تابعوا الحدث عبر وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ظنوا أن الرجل مقبل على عمل لم يسبقه إليه أحد، خاصة أنه أقسم وأقسم بالله، وربط كلامه هذا بما يفعله الصهاينة في حق أهل غزة من قتل وسفك وتهجير منذ قرابة عام كامل.
ظن الناس أن تبون سيفعلها أخيرا، ولو بعد مضي 11 شهرا على الحرب الإسرائيلية في غزة جاء الفارس المغوار ليقوم بما لم يقم به قادة العالم أجمع.
لكن ما هي إلا ثوان معدودات حتى استجمع تبون أنفاسه واضاف أن القصد من حشد الجيش وجاهزيته القسوى هو “دخول غزة وبناء 3 مستشفيات في ظرف 20 يوما فقط”، هذا إذا فتحت مصر الحدود.
بعدما تداولت وسائل الإعلام هذا المقطع التبوني وتناسلت التحليلات والقراءات وتوالت الانتقادات، أجمع المعلقون والمتابعون على أن تبون يتاجر بدماء أهل غزة في حملة انتخابية رخيصة ومزيفة، وانتقد جزائريون بأنفسهم تبون ووصفوه بشخص أبله لا يعرف ما يقول، وصوب المصريون باتجاهه مدافع الإهانات من مختلف العيارات.
من جهته خرج الإعلام الجزائري الرسمي في محاولات يائسة لتلميع صورة الرئيس المرشح لمنصب الرئيس، وزعم أن “أعداء الجزائر” اخرجوا تصريح تبون عن سياقه، والسؤال هو هل فعلا كلام تبون كان خارج السيطرة، أم أنه تم إخراجه عن سياقه؟
كل كلمة كان تبون بنطق بها كانت مدروسة ومعدة بإتقان لإطلاقها، ولكنها انقلبت عليه وعلى من أعدوها له في الكواليس مثلما ينقلب السحر على الساحر.
لم يكن تبون يجري حملة انتخابية لنفسه، فهو يعرف أن الجيش هو من نصبه على رؤوس الجزائريين، وهو من سيمنحه الولاية الثانية، وبالتالي كان يقوم بحملة دعاية للجيش من أجل تلميع صورته وإظهاره في مشهد الجيش الشعبي والعربي والإسلامي البطل، دون أن ينسى الإساءة إلى مصر واتهامها بأنها هي المسؤولة عن عدم فتح الحدود.
والتعريج على مصر فكرة في قمة المكر من أجل أن يوحي للشعب الجزائري بإجراء مقارنة بين قيادة عسكرية خائنة (مصر) وقيادة عسكرية مخلصة (الجزائر) والفاهم يفهم.
من جهة أخرى، لم يأت ذكر الجيش بشكل اعتباطي، فتبون ملتزم بإشراك العسكر في كل الصلوات، ولم لا حتى في غزة ودماء أهلها ما تزال تسيل ساخنة، لكن من أجل نزع فتيل الصدام مع إسرائبل، لأنه يعي بأنه يقول كلاما خطيرا سيجر على النظام الجزائري وبالا لا قبل له به، أسرع وقال بأن الجيش ستكون مهمته بناء 3 مستشفيات في ظرف 20 يوما فقط.
هل هناك مكر وخبث وجبن وحقارة أكثر من هاته التي يمارسها النظام الجزائري؟
لكن كما يقال انقلب السحر على الساحر، لم يبق أحد من الفلسطينيين والمصريين وحتى من الجزائريين ومن كل العرب من يدرك بأن النظام الجزائري كغيره من الأنظمة التي تتاجر بقضية فلسطين، تدعو لتحريرها بينما تسجن شعوبها خلف قضبان الديكتاتورية والفقر والجهل والحرمان من أبسط الحقوق.
مر حتى اليوم قرابة شهر على مقتل إسماعيل هنية زعيم حركة حماس وهو في حمى إيران، وحكام طهران كغيرهم من الغاوين يرعدون ولا يمطرون، وتبون على شاكتهم، ينفخون من بعيد على النار التي تأكل الفلسطينيين، ويكذبون على شعوبهم ألا إن لعنة الله على الكاذببن.
لو كان تبون ومن فوقه النظام العسكري الجزائري يريد فعلا دعم أهل غزة لفعل بالقليل ما فعلته دول كثيرة، هناك طرق للمساعدة برا وبحرا وحتى عبر المعابر الإسرائيلية ذاتها.
لو كان تبون يريد كما يوحي بجاهزية الجيش للدخول إلى غزة لأعد له، هناك حدود مفتوحة للحرب في جنوب لبنان يسيطر عليها حزب الله، الذي بالمناسبة تربطهما علاقات متينة، وهناك كذلك الجولان الذي يحرسه حليفه النظام السوري ولم يطلق منه رصاصة واحدة ضد إسرائيل.
في الختام وقبل السلام على الشعب الجزائري، الذي يتوقف عليه تقرير مصيره، وهو في أتون حملة انتخابية نتائجها محسومة سلفا، إذا لم يتخلص من سبطرة العسكر فلا مسقبل له.
مملكتنا.م.ش.س