اسماعيل شفقي
باحث بسلك الدكتوراه في القانون العام و العلوم السياسية بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس
من الرومانسية السياسية، أن نخطب “قلوب النقابة” ل “عقل الدولة”، سيما في الحقول المهنية الشاردة، المهجنة بالسياسة و المهجسة بها. و ليس من العقل في شيء أن نطلب حالة “السلام المستدام” في علاقة عثت فيها اليد الاديولوجية الخفية؛ و تجاذبتها بالضلال ذات يسار، و ذات يمين بالظلام، مقطعة فيها أوصال المهنية الخالصة، و آلت بها الى نشاز سياسي مزعج، و بؤرة صدام مستدام.
من قصر النظر أن نصادر حق التنظيمات النقابية المهنية الممأسسة في الدفاع، و من قصور النظرة أن نصادر حق الدول و الحكومات في الدفع.
و لنتفق أيضا، أن ليس من “النضالية البناءة” و “التقاليد النقابية” في شيء منطق “يا أنا يا السفارة في قلب العمارة”؛ إنها من قبيل السياسوية الممعنة في الضيق و الأدلجة، ضيق العقول المنتجة لها، و الصدور المؤمنة بها.
تحريرا للفهم و للواقع من أي تصور أستاذي أحادي الرؤية، يراهن على تأحيد الرأي و توحيد الرواية، و لأن “شهوة الجماهيرية” و لبيدو الانتصار” يحجب الحقيقة، و يحجبها “وهم القوة” الذي تغذيه “قوة الوهم”.
و لأن كمال التصور، يقتضي بالضرورة إلتقاط الصورة من أعلى، حيث تبرز الصفوف الأمامية بقوة الاندفاع النقابي، و الأهم منها صفوف الخلفية حيث قوة الدفع السياسي، و الأخيرة منطلق التحليل الخطاب و مناط فهم النبرة.
إن عمق الأزمة بين الدولة، و التنظيمات الأستاذية الشاردة عن حمى المؤسسات (النقابية و الدولتية)، الجاحدة لصيغ القانون و و مسالك الدولة)، رواد السوق النضالية السوداء، حيث النضال و متلاشيات السياسة و الاديولوجية منتهية الصلاحية و الحجارة و حطب الليل…
إن عمق تأزم هاته العلاقة، عمق سياسي بامتياز.
إنها حالة “اضطراب في الهوية التنظيمية” يعيش أصحابها في”جسم مهني وظيفي” على “جندرية اديولوجية” و ب”ميولات سياسية”، تعيش حيرة “الرغبة المهنية” و “الشهوة السياسية”، مترددة بين تموقعات “الفاعل نقابيا” و “المفعول به سياسيا”.
و على أبلغ تعبير عن حالة الاضطراب و الهجانة، القولة المأثورة عن الزعيم عادل امام في عمله التاريخي طيور الظلام، مخاطبا جماعة الاخوان:
“إنتو جماعة مش عارفة تبقى دولة، و احنا دولة مش عارفة تبقى جماعة” على وزنها يمكننا القول:
“إنتو تنظيم مهني مش عارف يبقى تنظيم سياسي، و تنظيم سياسي مش عارف يبقى تنظيم مهني”.
ما غاب عن هاته الجموع، و عبره تسرب الشبح السياسي المؤدلج، أن النقابة تنتهي عندما تبدأ السياسة؛ فنخرج حينها من المطلب المهني المستوجب للإستجابة الحكومية عبر الحوار. الى متاهات السياسة؛ حيث المنعرجات و المنزلقات و مناطق الظل و الظلام و الزوايا الضيقة.. و الطريق المسدود. حيث السؤال يستدعي الرد السياسي، يقتضي الردع السياسي عند الضرورة.
و غاب عن هاته الجموع، أن مشروعية الفعل النقابي تسقط عندما يلمز و يهمز في الشرعية السياسية للدولة و مكوناتها، وجودا و اختيارات.
و يظل السؤال المنهجي المباشر، متى تنتهي النقابة و أين تبدأ السياسة؟!
عندما ينتقل مركز الخطاب و يحيد تركيز الجموع عن الخطاب المهني المشروع،الى الضرب في الاختيارات الاستراتيجية للدولة، الضرب السياسي المبرح.
عندما ينتقل التنظيم من رهانات الحل الى هواجس الأزمة و التأزيم، من التفاوض الى التصادم، من الإطار التوافقي و التوفيقي الى تسعير الحرب و دق الطبول، من الأخلاقية النضالية النبيلة الى المكيافيلية السياسية المقيتة.
قولا واحدا: عندما ينتقل الفعل و الفاعل من خطوط الدفاع النقابي مع الحكومة الى مواقع الهجوم السياسي على الدولة.
و يسجل على هاته الجموع في صيغها الجماعية اليوم، تحرشها النضالي بالدولة، و ضربها العنيف في اختياراتها الاستراتيجية، مؤشر ذلك و دليله، انتقال الخطاب من ترافع مهني فئوي الى : الضرب في الجهوية المتقدمة و مستتبعات الورش، كخيار استراتيجي لتحديث الدولة و توزيع السلطة و حسم القضية الوطنية. الضرب في الالتزامات و التوازنات الماكرو_اقتصادية للدولة، و الضرب العنيف في مشروع الحداثة اللبيرالية المجتمعية، و التحرش عبر هشتاغات و لطميات، بتنظيم المملكة للمونديال، كمشروع دولة _ملكا و شعبا، و الطعن في الاختيار او الضرورة النيوليبرالية.
يكيفها الفهم الأستاذي البسيط، شكلا من التصعيد، لكنها بقوة الواقع انحرافات كبيرة في المنعرجات السياسية الخطيرة، قطعا لها ما بعدها حتما.
و يظل السؤال الملح، أين الفعل التفاوضي في كل هذا، أين المنطق النقابي و الترافع المهني من كل هذا!
إنها على الحقيقة، استنزاف للدفاعات النقابية في طلقات سياسية فارغة و في الفراغ…!