إن الله تعالى جعل دين الإسلام خاتمة الأديان، وجعل أصل الأديان دينا واحدا، قوامه توحيد الباري عز وجل، لذا عني القرآن العظيم بالديانات التوحيدية، وأعطاها مجالا مهما من العناية في الذكر والمحاورة والمجادلة، في حيز كبير وعدد غير قليل من الآيات والسور، وأمر نبيه الكريم بدعوة أهل الكتاب إلى الأصل الأصيل للدين ليكون منطلقا للتفاهم، ومرتكزا للتعايش.
و أن الحق سبحانه وتعالى أمر أهل الإسلام أن يستعملوا مع أهل الكتاب أدوات التواصل والإقناع، من حوار وجدال، وأمر ألا يكون هذا الجدال إلا بالحسنى، مستعرضا أمثلة عظيمة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من نماذج التطبيق الفعلي لهذه الأوامر الإلهية والإرشادات الربانية، حيث أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه واجه أحدا من أهل الكتاب بغلظ في القول، ولا بذاءة في الكلام.
و أن الإسلام، من هذا المنطلق، أسس لتدبير راق للتعايش والحوار، في ظل مبادئ سامية وأخلاق رفيعة، يدير بها خلافا حتميا مرتبط بالوجود ذاته، إذ قضت مشيئة الله تعالى ألا يكون الناس على دين واحد وقول واحد ، موضحا أنه إذا كانت المشيئة الإلهية اقتضت حتمية الاختلاف، فلا شك أن مراد الله من خلقه حسن تدبير هذا الاختلاف، بالتواصل والتحاور والمجادلة بالحسنى، وبالتحبب والتودد، وهي الوسائل الكفيلة بتحقيق التعارف الذي هو الغاية من جعل الخلق على هذا النحو من التنوع.
و أن هذه المملكة المغربية الشريفة والدولة المسلمة المنيفة، لم تزل تقتفي أثر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، وتحفظ هديه وسيرته، فكان ملوكها العظام، على تعاقب دولهم، وتوارث ملكهم، بما قلدهم الله تعالى من الإمامة العظمى، وإمارة المؤمنين ذات المقام الأسمى، وخصوصا هذه الدوحة العلوية الكريمة، الطاهرة الأرومة، فكانوا على مر العصور، يحفظون القواعد المقررة شرعا في معاملة الكتابيين، فحفظوا في ظل دولتهم حقوقهم، وراعوا حرمة الله فيهم، إذ الخلق عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله .
وقال إن الله جعل من خصوصيات هذا البلد الأمين، أن كان فيه رعايا من اليهود منذ الزمن الأول، عاشوا مع المسلمين، في ظل أمراء المؤمنين، على قدم واحدة في الحقوق والواجبات، وعومل النصارى الوافدون والمقيمون بنفس ذلك من الاعتبارات.
وهو النهج الذي عليه أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلد الله مكارمه، وأحيى به من الدين معالمه، حتى صار المغرب في هذا المضمار غرة بين الدول في شأن الاقتداء بالهدي النبوي في معاملة المسلمين لغيرهم، وصيانة حقوقهم .
فاللهم إحفظ بلادنا وسلطاننا الملك المعظم سيدي محمد السادس بما تحفظ به عبادك الصالحين ، وإجعل بلدنا أمنا مستقرا يا رب العالمين .
بقلم الشريف مولاي محمد الخطابي