التصوف وسيلة لمواجهة التطرف

الإثنين 16 فبراير 2015 - 15:22

يمثل التصوف الإسلامي ظاهرة عميقة وممتدة ومتعددة المظاهر والتجليات في تاريخنا الفكري وواقعنا الاجتماعي والحضاري، لكننا مع ذلك لا نراها تحتل مكانتها الطبيعية في سلم أولويات البحث العلمي والجهد الثقافي، ويعود هذا إلى أسباب عدة. من أهمها أن الخطاب النهضوي الذي أعاد صوغ أولويات الثقافة العربية الإسلامية، كان في معظمة خطاباً متعلمناً متعقلناً ينأى بنفسه بعيداً مما سماه البعض خطاباً «أسطورياً عجائبياً» وهكذا فقد تم الرفع من شأن الاعتزال والمعتزلة، هذه الظاهرة التي انتهت واقعياً وأصبحت مرحلة تاريخية، في حين تم القفز من فوق التصوف والمتصوفة على رغم كون التصوف يشكل نسقاً معرفياً اجتماعياً بل وسياسياً مستمراً وفاعلاً.
بعيدا عن البحث في طبيعة وأسباب هذه العودة المفترضة، انصرف اهتمام الكثيرين – صحفيين وأكاديميين أيضا – إلى البحث في القوى التي يفترض أنها تقف وراء هذه العودة، وفي هذا السياق التاريخي بالذات، والرهانات التي تحكمها وتوجهها.
فهناك من ربطها بحاجة الدولة اليوم إلى التصوف، وذلك من خلال إستراتجيتها الرامية إلى توظيف ورقة “التصوف” كأداة لمواجهة “التطرف”، خاصة بعد أحداث 16 مايو 2003 الإرهابية، وأيضا من خلال رغبتها في الظهور بمظهر المتبني والراعي لنوع من الحداثة الدينية، كشكل من أشكال “تحديث الإسلام” ضدا على النزوع السلفي نحو “أسلمة الحداثة”.

كما حاول البعض ربط الظاهرة بسياقات أشمل وأوسع، ساعيا إلى تفسير هذه العودة باعتبارها جزءا من إستراتيجية عالمية تقودها الولايات المتحدة في حربها ضد ما أصبح يعرف بالإرهاب الديني الأصولي (تنظيم القاعدة)، مما يستحيل معه التصوف هنا إلى مجرد أداة للتحكم في المنظومة الدينية/ الأخلاقية وشكل من أشكال “تلطيف الإسلام” في علاقته بالغرب؛ وهناك من رأى فيها تأكيدا لاستمرارية ثقافة الزاوية، بثوابتها التنظيمية والإيديولوجية (شيخ/ مريد)، واكتساحها مجالات الفعل والتأطير السياسيين، وهنا تتقلص الحدود أكثر بين “شيخ الزاوية” و”شيخ التنظيم السياسي”..كما تتقلص حدود الرؤية بين العلمي والإيديولوجي.

تأسيسا على ما تقدم إذن، وارتباطا بهذا التصور الأداتي/ التوظيفي، اعتبرت “الزاوية” طبعا هي الأداة لتفعيل وبلورة هذه الرهانات وما يرتبط بها عمليا من أنشطة.
وفي هذا السياق ستسعى الدولة المغربية، وفي إطار سياستها الدينية الجديدة، إلى إحياء وتنشيط عدة جوانب من التراث والثقافة الصوفيين: (مواسم دينية، مهرجانات ولقاءات عالمية للمنتسبين للتصوف “سيدي شيكر”…)، كما ستسعى بالمثل إلى إحياء وتشجيع عدد من الزوايا والطرق الصوفية وتقديم كافة أشكال الدعم لها: كالتيجانية والبوتشيشية والكتانية، وهكذا سيتم توجيه نشاطاتها وتحركاتها في الاتجاه المنشود.

ولعل نفس الشئ يمكن ملاحظته بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية وبعض بلدان أوروبا الغربية، ففي علاقة بقضايا “الإرهاب” والهجرة الدولية، كثيرا ما يتم التركيز – في سياسات الهجرة الجديدة – على مسألة صراع الهويات الدينية كواحد من الأسباب الرئيسية المفسرة لسوء الاندماج وبالتالي استفحال ظاهرة التطرف الديني.

وعلى هذا الأساس، وعلاوة على إجراءات وتدابير أخرى، سيعتبر التصوف وسيلة ناجعة لتلطيف إسلام المهاجرين وتوجيههم أكثر نحو التعايش والتسامح عوض التعصب والانعزال، أوا ينمكن تسميته ب(الجيو – تصوف) حيث أصبح التصوف يلعب دورا مهما في العلاقات الدولية واعتباره أحد الأركان للقضاء على جانب التشدد السائد حالئذ تحت عنوان “الإرهاب” وربما هذا ما يفسر اليوم انتشار عدد من “الزوايا” وفروع الطرق الصوفية بهذه البلدان، وبتشجيع ودعم منها أيضا، كما يفسر ذلك الاكتساح المتنامي من قبل عدد من الأجانب (أوروبيين وأمريكيين) لعدد من الطرق الصوفية بالمغرب، خاصة البوتشيشية والتيجانية؛ ولعل هذا ما أعطى بعدا آخر جديدا، ومن منظور أداتي دائما، لعودة الزاوية وثقافة الزاوية بمغرب هنا والآن.

هذه هي “الزاوية” إذن: “أداة” من بين أدوات أخرى في خدمة السياسي، ووظيفيتها هذه هي المفسر والمبرر أيضا لعودتها، سواء في العلاقة بالدولة أو الأحزاب السياسية أو الغرب.

بقلم الشريف مولاي محمد الخطابي .

Loading

مقالات ذات صلة

الأحد 16 فبراير 2025 - 19:38

حين تتحول المظاهرات إلى منصة لنشر التطرف والتحريض

السبت 15 فبراير 2025 - 23:06

المغرب أمام لحظة مفصلية .. بين الشعارات المستهلكة والخيار الاستراتيجي

الإثنين 3 فبراير 2025 - 09:18

ابن كيران .. عودة إلى الواجهة أم محاولة للهروب من الإرث الثقيل ؟

الأربعاء 22 يناير 2025 - 15:42

الإشادة بالإرهاب .. عندما يصبح الإرهاب بطولة في أعين البعض