لن تمر جولة الملك محمد السادس الافريقية الجديدة وزيارته الثانية على التوالي لمالي دون أن تثير الكثير من التساؤلات إن على الصعيد الدولي أو الاقليمي. جولة الملك محمد السادس الطامحة أولا لتحقيق الاستقرار وإعادة النظام الدستوري لدولة مالي وفق لاتفاق واغادوغو المبرم في يونيو 2013، لن تكون سوى بدايات علاقة قد تجعل المغرب جار مالي الشمالي، البلد الذي يقدر أن يخرج مالي من أزمتها بجمع الأطراف المتصارعة في هذا البلد الشقيق حول الصيغة النهائية لوساطة مغربية في نزاع الرئيس المالي مع الحركة الوطنية لتحرير”ازواد” المطالبة بانفصال شمال مالي. زيارة الملك محمد السادس لن تكون زيارة عادية وبسيطة، بل إنها تحدي نجاح وساطة سياسية لاخراج مالي من أزمة سياسية طاحنة، .
قبل أن يجتمع الملك محمد السادس في باماكو٬ مباشرة بعد وصوله يوم الثلاثاء على انفراد مع رئيس مالي ابراهيم بوباكار كيتا، لبحث مشروع الوساطة المغربية، كان الملك محمد السادس قد بعث رسالة قوية لحركة ازواد عندما استقبل نهاية يناير الماضي بلال اغ الشريف الامين العام ل”ازواد” والناطق الرسمي باسم الحركة. ادى الملك وضيفه صلاة الجمعة بجامع الكتبية الذي بناه جد بلال اغ الشريف يوسف بن تاشفين مؤسس الدولة المرابطية، فكان للرسالة وقعها على زعيم المرابطين الجدد.
الملك صفى الأجواء بين المغرب وبوركينا فاسو بعدما اجرى اتصالا هاتفيا مع رئيسها بليز كامباوري٬ بعد تخلي الأخير عن مساعيه للوساطة في الازمة المالية. نفع اتصال الملك برئيس دولة صديقة في طمأنة بوركينافاسو، على أن ما يقوم به المغرب في هذه الدولة الجارة لن يكون ضد ما قام به رئيس هذه الدولة، بل بهداف المصالحة الوطنية والتنمية بشمال مالي، وذلك في إطار الاحترام التام للوحدة الترابية والوطنية للماليين، وفق ما أعلنه بيان الديوان الملكي.
لن تكون الجولة الافريقية وزيارة مالي الثانية من أجل تحقيق شروط المصالحة التي تضمن السلام في هذا البلد الذي تجمعه مع المغرب علاقات تاريخية ضاربة في التاريخ، بل ستكون هذه الزيارة بوابة المغرب نحو افريقيا.
يستنسخ المغرب في وساطته للسلام في مالي تجربته في اقتراح حكم ذاتي للاقاليم الجنوبية في المغرب. في مشروع الوساطة التي حمله الملك محمد السادس معه لمالي هناك اقتراح تمتع اقليم “ازواد” بحكم ذاتي موسع، تحت السيادة المالية، كان الرئيس المالي ابراهيم كيتا قد عارض هذه الفكرة قبل أن يتراجع بعدما تشدد وزير خارجيته زهابي ولد سيدي محمد، في الدفاع عنها.
وساطة المغرب تحمل عدة رسائل مباشرة وغير مباشرة. أولا يريد المغرب عبر المقترح لحل أزمة مالي أن يظهر لحليفيه فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية قوة حضوره في جنوب الصحراء، عبر البعد الرمزي للحضور الديني لامارة المؤمنين، فالمغرب كون500 إمام مالي بالمغرب على الاسلام المعتدل المالكي لمواجهة الاسلام الراديكالي النصي الذي تمثله الوهابية. كان أحد هؤلاء الأئمة هو من أدى صلاة الجمعة بالملك محمد السادس رفقة الرئيس المالي يوم أمس بالعاصمة المالية. رسالة ثانية سياسية هذه المرة مفادها أن حل الحكم الذاتي الذي يضعه المغرب كحل قوي لملف الصحراء قد يثبت نجاعته في صراع مسلح وفي بيئة افريقية مشابهة، وهو ما يمكن أن يحاصر طروحات الجزائر والبوليساريو.
ولأن السياسة لا تستقيم دون اقتصاد ومال، فالملك رافقه وفد هام من وزراء ورجال أعمال ورؤساء ومدراء مؤسسات عمومية٬ فالسلام عموما لن ينجح بدون مشاريع اقتصادية في دولة خرجت للتو من حرب دامت تسعة أشهر ودمرت كامل بنياتها التحتية البسيطة، وهو ما سيساعد المغرب في انجازه بتوقيع تسع اتفاقيات وبروتوكول اتفاق لمشاريع تهم الخدمات الجوية والفلاحة والمستشفيات والماء والكهرباء.
مملكتنا .م.ش.س