بالمغرب بصمات تاريخية وطقوس سحرية لإستقبال العام الهجري الجديد
“سنة مباركة سعيدة” ..”مبارك العواشر” .. هذه هي التحية الصباحية التي حيا بها المغاربة بعضهم البعض، بعد أن أكد لهم بلاغ صادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن مطلع هلال شهر محرم قد جاء إلى الوجود، يحمل معه سنة هجرية جديدة.
كما إن احتفالات أخرى تتجاور مع طريقة الاحتفال الأولى، رغم تناقضها معها، وتحيل بشكل واضح على المذهب السني، الذي يتبعه المغاربة منذ قرون. لكن هناك نوع ثالث من الطقوس، يصعب نسبته إلى البعد الديني، لأنها طقوس شعبية مرتبطة بالزراعة التي عاش عليها سكان المغرب ولا يزالون يعتمدون على مداخيلها في اقتصادهم الوطني، ويتوارث الأبناء عن الآباء والأجداد هذه العادات، دون أن يسألوا عن مصدرها، لكنهم يتمسكون بها.
وككل المناسبات الدينية لا تغيب الأسطورة والسحر عن الطقوس والاحتفالات المغربية، بمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة. ويستقبل أغلب المغاربة السنة الجديدة بفرح كبير، حيث تنشأ بهذه المناسبة أسواق خاصة في أغلب المدن المغربية لبيع لعب الأطفال والفواكه الجافة، التي لا يخلو منها بيت مغربي، طيلة الأيام العشرة الأولى من شهر محرم.
كما أن الفتيات اللواتي لا يجوز لهن أن يرفعن أصواتهن سواء بالغناء أو بمجرد الكلام أمام الرجال، في بعض المناطق، يجوز لهن أن يجبن الأحياء، ويتنقلن داخل الدواوير وهن يغنين لـ”عاشوراء”، ويرددن بفرح “هذا عاشور ما علينا حكام أللا.. في عيد الميلود يحكموا الرجال أللا..”، في إشارة إلى أن رجال العائلة أو القبيلة لا سلطة لهم عليهن طيلة عاشوراء، مما يسمح لهن بالغناء والرقص ليالي متتابعة، وعلى الرجال أن ينتظروا، حسب ما تقوله الأهازيج الشعبية شهر ربيع الأول، الذي يكون موعدا للاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، ليسترجعوا سلطتهم على النساء.
كما إن أغلب الأسر المغربية تكون في العادة لا تزال تحتفظ بجزء من أضحية العيد، والقديد، لكي تجهز بها طبق الكسكسي، بمناسبة قدوم العام الجديد. وفي الأرياف المغربية تروي الحاجة فاطمة عن عادة لا تزال متمسكة بالحفاظ عليها، وتوصي أبناءها بأن لا يفرطوا فيها، وتقول :”منذ أن كنت طفلة صغيرة، وأنا أحرص على أن يكون هذا اليوم من أفضل أيام السنة لدي، فقد علمنا آباؤنا أن نتفاءل به، ونحن نعتقد أنه كيفما تقضي اليوم الأول من العام، تكون سائر الأيام المقبلة”.
وتضيف “إذا كان يوم جد ونشاط وعمل وفرح، ستكون كل السنة كذلك، لهذا السبب نحرص على الاستيقاظ المبكر جدا، ونتنافس في ذلك، ونهدد الأطفال بأن من يتأخر في النوم يطلي الآخرون وجهه بروث الماشية.. كما إن هذا اليوم ليس يوم راحة وعطلة كما يفعل شبان اليوم، بل على العكس من ذلك هو يوم الجد والعمل، لكي يبارك الله الرزق طيلة العام، أما الذي يجعله يوم عطلة وكسل ويقضيه في النوم، فإنه سيقضي كل العام مسجونا داخل كسله، إلى أن يحل عام جديد..”.
ورغم أنه لا يوجد أي سند شرعي لما تعتقده الحاجة فاطمة، وغيرها من الناس، الذين يتأسفون لكون هذه المعتقدات بدأت تندثر، إلا أنهم يؤمنون بصحتها، ولا يقبلون مناقشتها. وعكس ذلك تتمسك بعض الأسر المغربية بعادات خاصة بها، ترفض التخلي عنها، رغم أنها لا تعرف معناها، ولا تعي جذورها، إذ إن أفراد هذه الأسر، التي تتوزع على عدد من المناطق المغربية، يرفضون حلق لحيهم طيلة الأيام العشرة الأولى من محرم، ولا يستحمون، ولا يغسلون ثيابهم، ويتجنبون مظاهر الفرح، منذ إعلان اليوم الأول من عاشوراء.
وتقول عايدة الشياضمية، التي يحترم جيرانها عاداتها المختلفة عنهم “نحن منذ أن كنا أطفالا صغارا، وجدنا آباءنا يستقبلون العشرة أيام الأولى من العام الهجري الجديد بإعراضهم عن مظاهر الزينة والفرح، ولا زلنا نتمسك بذلك، ونعتقد أننا إذا حاولنا تغيير هذه العادات يحدث لنا مكروه..”. وتضيف “لا زلت أذكر أني ذات عام ذهبت إلى الحمام، ووضعت الحناء على كفي، خلال هذه الأيام، فلم تنصرم حتى أصبت بحروق شديدة، لا تزال آثارها بادية علي، ومنذ ذلك العام قررت ألا أغير هذه العادات، التي ورثناها عن آبائنا في منطقة أحواز مراكش”، كما تقول.
ويقول الشيخ مصطفى بن حمزة مفسرا هذه العادات في حديث لوكالة “قدس برس”، “هناك بصمات شيعية في احتفالات بعض المغاربة بعاشوراء، التي تصادف بداية السنة الهجرية الجديدة، مما يؤكد أن التشيع، الذي انتشر في أماكن كثيرة في العالم الإسلامي وصل إلى المغرب، واستوطن به فترة من الزمن، لكن هذه البصمات التي أعتقد أنه ليس لها أصل شرعي، محدودة الوجود”، كما يقول.
ويضيف الشيخ ابن حمزة أن “ما يمكن تسجيله أن العادات السنية هي الغالبة، بحكم أن الغرب الإسلامي يعتمد في أغلبه على المذهب السني، ومن هذه العادات، التي يقوم بها أغلب المغاربة نجد إخراج الزكاة خلال هذه الأيام، وصيام يوم التاسع والعاشر من شهر محرم”.
ويعتقد قطاع آخر من النساء في المغرب أن هذه الأيام هي فرصة لا تعوض طيلة السنة لـ”صناعة المحبة الزوجية” فيلجأن لبعض الطقوس، ويجتهدن في شراء الأبخرة، التي يملأ باعتها أغلب الطرقات، من أجل استمالة قلوب أزواجهن، وتقوية روابط المحبة فيما بينهم، حسب ما تعتقد أغلبهن.
مملكتنا.م.ش.س/العربية نت