القفطان المغربي إنتقل من البيوت المغربية إلى دور الأزياء العالمية

الأربعاء 11 نوفمبر 2015 - 22:43
  • أصبح القفطان سفير المغرب في بلدان العالم إذ اتسعت شهرته بعد ان أضفى عليه الخياطون مسحة تواكب روح العصر وأصبح مفخرة من يلبسه وخاصة في المناسبات علما وأنه لا يقتصر على النساء بل للرجال أيضا قفطانهم الذي تفنن في خياطته يهود المغرب ثم المغربيات.

بين ثلاثيتي الحايك والجلابة والسلهام، والحصان والعمامة والخنجر، عاش القفطان المغربي ردحا من الزمن، مر خلاله بعدة مراحل كان فيها الرجل المغربي المستفيد الأول من تشكيلة أناقته الأصيلة ، وبين أمير ووزير، وقاض وفقيه، وتاجر وشاعر، عاش القفطان المغربي أجمل مراحل عمره، فلم يكن يوما مستثنى من شروط أناقة المناسبات، وترف الأفراح والجلسات.

كان قفطان “المَلْف” يصل إلى المغرب من بلاد الشام، وكان تجار مدن فاس ومراكش وسلا، يتسابقون للظفر به، وكان الخياط يخاف من ثوبه، لدرجة أنه يقوم للصلاة ركعتين قبل بداية خياطته إذ كان ثوبا مهيبا لا يلبسه إلا علية القوم في ذلك الزمان، وكان التغريم والعصا، وحتى الحبس في مراحيض دار القاضي، جزاء كل مخل بواجب إتقان الحرفة، لذلك كان الخياطون المسلمون لا يقربون أثواب الملف إلا في حالات نادرة، وكانت خياطة القفطان تخص اليهود المغاربة، ومن تعلم على أيديهم من المتعلمين المسلمين الحاذقين.

يقول ميلود الخياط إن اليهودي “لالوز” كان يقبض برفق على أذنه، وهو يتعلم الخياطة على يديه، ويقول له “تعلم ما ينفعك أولد شيدنا المشلم”، واصفا إياه بالمعلم الخياط اليهودي البارع في صنعته. لقد كانت سمعة اليهودي المذكور، حسب ميلود، تصل من الدار البيضاء إلى فاس وبلدة بجعد فسطات، لقد كان خياطا ذكيا عارفا بأسرار الثوب، وكم من مرة أعاد قطع الثوب إلى التجار في فاس يطالبهم بقطع ثوب “الحرة”، أي الحقيقية غير المستنسخة.

ويقول ميلود الذي انقطع عن الخياطة لتقدمه في السن “لقد علمني لالوز الحرفة، يوم كان أجرها يعادل مرتب الوظائف الحكومية أو أكثر”.

وكانت فاس مجمع الخياطين المهرة الذين يخيطون قفاطين المَلف التي يلبسها الرجال، من أمراء ووزراء وحكام، وقضاة وشعراء وفرسان، وبقيت على حالها ذاك بين الناس، تُلبس في المناسبات والأعراس، وحدها أو مع “الحايك”، إلى أن تنازل عنها الرجال، يوم خرجت البدلة الإفرنجية، سروال وسترة، التي زادها الطربوش الوطني، على عادة القوميين المصريين، رونقا وجمال نظرة، وخرج الوزراء يقلدون الفرنسيين في لباسهم، وهم مستعمرون للبلد، فلم يغادروه حتى حصل المغاربة على استقلالهم، في الخمسينات من القرن الماضي .

ومع تقلبات الزمن، وزيادة انفتاح العالم العربي على أوروبا، وتأثر الناس بعادات الأوروبيين ونمط عيشهم، وارتفاع مستوى التعليم من التقليدي إلى العصري، وتشجيع ملك المغرب محمد الخامس، جد العاهل الحالي محمد السادس، المرأة على التعليم والتعلم، والحرية والتحرر، جلست شقيقة الرجل معه إلى منضدة الخياطة، فبرعت وأبدعت، وقامت بلف الحرير خيوطا ذهبية حول المغازل الرقيقة، ونسجت صفائح فسيفساء ذهبية حول الأثواب الرفيعة، وخاطتها بدقة وعناية حتى تكاملت في شكلها وحسُن النظر إليها، ثم زادت على قفطان الرجل رداء مفتوحا، كان يسمى عند الرجل “فَرَجِية”، كان يلبسها فوق “الرَّكابية” ، فجمعتهما الخياطة الماهرة في تسمية واحدة هي “الدفينة والتحتية”.

ولم تمر على إبداع الخياطات والخياطين سوى فترة قصيرة من الزمن، حتى قاموا بجمع القطعتين، -الدفينة والتحتية- معا في لباس واحد سموه “التكشيطة”، فزادوا في طولها، ومزجوها بأسلوب عصري، وأزالوا عنها “الشربيل”، وهو خُف منسوج بالخيوط الحريرية، الفضية والمُذهبة، وجعلوا بدله حذاء بكعب عال أضفى على المشية طابع الفخامة، فغدت تُعرف صاحبة التكشيطة من خلاله بأنها سيدة مغربية، وبأناقتها انسجمت مع شقيقها الرجل، صاحب الجلباب المغربي، إلى درجة تأثيرها في لباسه لتصنع عبر أناقتها المتميزة وبأسلوبها التقليدي الأصيل، آية في الحرفية والإتقان.

ونجح القفطان في أن يصبح قطعة فنية تزين عروض المصممين العالميين خلال السنوات الأخيرة، فانتقل التصميم التقليدي من البيوت المغربية إلى العالمية، بعدما عملت أجيال من مصممي الأزياء المغاربة على منحه الصورة التي يستحقها، مع الحرص على إضفاء رونق خاص عليه وتجديده بشكل مستمر، ليناسب كل الأذواق والبيئات.

ولعل النجاحات الباهرة التي عاشها المصممون المغاربة، إضافة إلى الرونق الخاص بالقفطان المغربي، من بين الأسباب التي ساهمت في جعل كبار مصممي الأزياء العالميين، يزاحمون أصدقاءهم المغاربة على تصميم القفطان وجعله عنصرا مهما في كل عروض الموضة الشهيرة، والتنافس على بيع قطعه بأثمان مرتفعة.

مملكتنا.م.ش.س/عرب 

Loading

مقالات ذات صلة

الثلاثاء 19 مارس 2024 - 10:04

باريس .. السيد اليزمي يؤكد على “الدور متعدد الأوجه” للجاليات المغربية بالخارج

الجمعة 15 مارس 2024 - 21:56

الأجواء الرمضانية تضفي الحيوية والنشاط على أزقة المدينة العتيقة بفاس

الأربعاء 13 مارس 2024 - 10:35

أهالي طنجة متمسكون بشدة بتقاليد الأجداد خلال شهر رمضان

الثلاثاء 30 يناير 2024 - 14:19

الحاجيات المتزايدة للمنظومة الصحية تستدعي وضع نظام حكامة يضمن التنسيق بين الأطراف المتدخلة في التكوين (مجلس)