إبهــــام سيزار العملاق مكان أثير للـــــرباطيين لإلتقاط الصور التذكارية قربه
الفنان ليس ذلك الذي يقدم أعمالا فنية تعجب الجمهور فقط، بل أيضا هو ذلك الذي يزعزع مشاعرهم بأعمال فنية قد تبدو قبيحة لهم في الوهلة الأولى لكنها تثير فيهم الصدمة والتساؤل.
احتفت مدينة الرباط بالنحات الفرنسي الراحل سيزار بالداتشيني (1921 ــ 1998) وأقامت نصبا مماثلا لإبهامه وسط مدينة الرباط، وصار الإبهام العملاق مكانا أثيرا للرباطيين لالتقاط الصور التذكارية قربه.
سيزار النحات الذي ينحدر من أصول إيطالية أدهش الفرنسيين خلال الستينات والسبعينات بما قدمه من أعمال نحتية مثيرة وكانت مادته الأساسية في صنع مشغولاته من خردة باريس.
الخردة التي كان يلتقطها من سيارات قديمة، وقطع مكائن مستهلكة ليعيد لحامها، ويقدمها إلى الجمهور الفرنسي، الذي كان يسميه بفنان المضغوطات.
وقد جاءت هذه التسمية بعد استخدامه ضاغطات هيدروليكية تستخدمها المصانع لضغط السيارات القديمة وتقليل أحجامها لصهرها واستخدامها في الصناعة.
والنصب الجديد الذي أُقيم لإبهام سيزار بالرباط يقع أمام بناية متحف محمد السادس للفن الحديث، وتزامن مع معرض لمشغولاته في المتحف بعنوان “سيزار حكاية متوسطية”. يقول الباحث أستاذ السيميولوجيا ومناهج الدراسة الأدبية بكلية الآداب مراكش د. محمد آيت الفران عن الإبهام الكبير الذي انتصب أمام المتحف “لا شك أن ‘إصبع′ سيزار منغرسا إلى حد بعيد في نتاجات الفن الأوروبي الحديث. وهو منحوتة قوية تتحرك على واجهات متعددة تسمح بتأويلات منفتحة على قدرات الفكر الإنساني في التخييل والإبداع اللامتناهيين. ويعكس العمل فكرة يمكن أن يصار بها إلى احتواء معنى الفن الحديث بإطلاقه ودون تخصيصه أو حصره في رقعة جغرافية بعينها”.
ويضيف الفران “لا أجد حرجا في أن يكون مبدع العمل الفني فرنسيا أو أميركيا لينسحب مضمونه على مكسيكي أومغربي. ولا نستطيع هنا تقييم فنية العمل الإبداعي من زاويتي الجمال أو’البشاعة’ بعد أن أصبحت الحدود بين المعنيين منعدمة في منظور الاستطيقا الحديث. انطلاقا من هذا الطرح يمكن القبول بتمثيلية نموذج فني وارد على ثقافتنا، فقط من مبدأ الإيمان بأن الفن لا وطن له.
الفنان سيزار صنع من الأشياء المهملة جمالا وعلامات دالة للبحث عن أسئلة الحياة، وما يقابله الإنسان من ضغوط في عصر الآلة
كان بودي، مع كل ذلك، أن يُحتفل بأحد فنانينا، ويُزين مدخل متحفنا بنتاج من إبداع خيال أحد فنانينا في النحت، وهم كثر بالقدر الكافي”.
ويحضرنا هنا قول للفنان سيزار في الستينات عن هذا النصب، الذي كان في البداية لا يتجاوز المتر طولا مع قاعدته الساندة، وطوله من دون القاعدة 45 سنتمترا “هو تعبير عن رضى البشرية بأقدارها، وتصميمها وإصرارها على تجاوز كل محنة تمر بها”. دهشة الناس في الرباط كانت كبيرة من النصب الغريب هذا، فبعضهم أبدى امتعاضه من شكله الصادم، ورأى أنه بدلا من أن يضيف لمسة جمال إلى المدينة زاد المكان بشاعة.
وللناس الحق في التعبير عن مكنوناتهم تجاه جمال مدينتهم الرباط، والإبهام الكبير بحجمه وشكله الغريب يصدم الناظرين إليه للوهلة الأولى، لأنه كان في وقته يمثل طريقة جديدة في النحت أطلق عليها “الواقعية الجديدة”.
يذكر أن سيزار كرر تجربته الناجحة بهذه المشغولة، ونصب مثلها في العديد من المدن الأوروبية، كإنكلترا وسويسرا وإيطاليا وفي منطقة لادافونس بفرنسا أقام إبهاما عملاقا يصل طوله إلى أثني عشر مترا وقد صار قبلة للزوار.
|
يقول الفنان التونسي صحبي الشتيوي، المقيم في المغرب منذ عشرين عاما عن الفنان سيزار، الذي كان أستاذه في فرنسا في السبعينات من القرن الماضي، وتعلم على يديه الكثير من فنون النحت “النحات سيزار أدهش أهل باريس بعمله النحتي العملاق ‘إصبع السبابة’”، والتمثال كان بطول 12 مترا، وهو محاكاة لإبهام سيزار ذاته، وقد وضع في إحدى ساحات باريس، ولسيزار أعمال نحتية أخرى صنعها من مواد الجص والحديد والقصدير والنحاس.
وللشتيوي الكثير من الذكريات عن أستاذه، وقد بقيت تأثيرات كثيرة في أعمال نحتية كثيرة له، وعن علاقته الوطيدة تلك بأستاذه سيزار قال “كان لقائي الأول به في باريس في العام 1975، وكان من حسن حظي أن ألتقي به، فقد كان ظاهرة فريدة في فن النحت، وكذلك في اختياره للمواد التي يعمل بها، إذ أكثر تلك المشغولات التي نحتها في تلك الفترة جاءت من عمليات ضغط سيارات، وتغيير حجمها إلى الربع″.
وجميع أعماله التي يتذكرها الشتيوي كانت صادمة، وروى الكثير من القصص عن سنواته الدراسية، التي قضاها بباريس وذكرياته عن تلك الفترة الضاجة بالمبتكرات الفنية، ورأى فيها ما قدمه فنان المضغوطات كما يُسمى في فرنسا.
وقد كانت أعماله ولا تزال مثيرة للجدل، فقد جمعها من مقالب الحديد الخردة، وبقايا السيارات المُحطمة ليعمل منها أعمالا فنية أدهشت الكثيرين، ولقبوه حينها بملك الخردة.
ورأى عزيزي أزغاي الكاتب والباحث المغربي “أن الفنان سيزار صنع من الأشياء المهملة جمالا وعلامات دالة للبحث عن أسئلة الحياة، وما يقابله الإنسان من ضغوط في عصر الآلة”.
وقال سليمان بنغال أحد أهم رواد النحت المغربي عن أعمال سيزار النحتية، وخصوصا عن مشغولاته المتأخرة “إنه استخدم المعادن التي حصل عليها من مخلفات الصناعة في المرحلة الأولى من أعماله. وبعد ذلك تلاها بمرحلة بلاستيكية استخدم فيها البلاستيك، وفي مرحلته الأخيرة استخدم خامات البوليوريثينات والكريستال السائل، لعمل تكويناته النحتية، وأي عمل يعرض له يثير الجدل بين الناس″.
ورأى المعماري محمد المنصوري “أن اختيار هذا النصب في مدينة الرباط له ما يبرره بعد افتتاح معرض ‘سيزار حكاية متوسطية’ لما تملكه منحوتته ‘الإبهام الكبير’ من شهرة عالمية، وإشارة إلى انتصار البشرية على مصاعبها بالرغم من بشاعته”.
مملكتنا.م.ش.س