مقاربة النوع الإجتماعي في التشريعات الوطنية، والسياسات العمومية، وتمثلات المجتمع

الجمعة 25 يونيو 2021 - 22:37

مقاربة النوع الإجتماعي في التشريعات الوطنية، والسياسات العمومية، وتمثلات المجتمع

النوع الإجتماعي هو مفهوم يعود للكلمة الإنجليزية (الجندر) Gender، المنحدرة من أصل لاتيني وتعني في الأصل اللغوي Genus أي ( الجنس من حيث الذكورة و الأنوثة)، وفي حقل علم الإجتماع خلص إلى أن كلمة Sex أي الجنس تشير إلى التقسيم البيولوجي بين الذكر و الأنثى، بينما يشير النوع Gender إلى التقسيمات غير المتكافئة (اجتماعيا للذكورة و الأنوثة). 1

ويعمل النوع على توضيح العلاقات التي تنشأ بين الرجال و النساء على أسس اجتماعية و سياسية و اقتصادية وثقاقية و دينية، كما يشير إلى الإختلافات التي صنعتها المجتمعات و الثقافات عبر التاريخ بين النساء و الرجال. 2

فالجنس يدل Sex يدل على البعد البيولوجي عند الإنسان، فهو طبيعي فطري، ثابت وغير قابل للتغيير، أما النوع الإجتماعي فهو يشير إلى الخصائص الثقافية والإجتماعية و الدينية التي تخص الرجال و النساء في كل مجتمع، وهو أمر قابل للتغيير عبر الزمان و المكان. 3

وقد برز مفهوم النوع الإجتماعي منذ أربعة عقود في إطار العلوم الإجتماعية والفلسفة و القانون، وبحكم التوظيف السياسي أصبحت له حمولة إيديولوجية، لكن تعدد الإستعمالات لم يضعف دلالته العلمية، بل استطاع المفهوم أن يطور أبحاثه و مسالكه ومجالات اشتغاله التي شملت العلوم الإجتماعية، خاصة علم الإجتماع، الأنثربولوجيا و التاريخ، كما شملت أيضا الأدب و الثقافة واللغات واستطاعت أن تخترق حتى خطاب العلوم الحقة. 4

ولا يعتبر النوع مفهوما فحسب، بل هو أيضا أداة لتحليل العلاقات بين الرجال و النساء وتفكيك وفهم البنيات الذهنية والثقافية و المعرفية التي تنتج تمثلات و خطابات تتكلم عن الإنسان بصيغة مجردة، لكنها في العمق تتكلم عن الرجل بالأساس وتضع المرأة كصيغة مضمرة أو كمخاطب من الدرجة الثانية. 5

” ويسعى المغرب إلى ادماج مقاربة النوع الإجتماعي في مخططات السياسات العمومية، ضمانا للمساواة بين الجنسين، وتكريسا لمأسسة هذه المقاربة و جعلها رافدا في إقرار وضعية عادلة و منصفة، وضمانا لتمثيلية شاملة للمواطنين لتحقيق مغرب متطور وعصري، مغرب التلاحم الإجتماعي وتكافؤ الفرص.”6

وفي هذا السياق نص المشرع الدستوري المغربي في الفصل 19 من الباب الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الأساسية على أن “يتمتع الرجل و المرأة على قدم المساواة، بالحقوق و الحريات المدنية والسياسية و الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الإتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام هذا الدستور وتوابث المملكة وقوانينها.

تسعى الدولة، إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال و النساء ٬ وتحدث لهذه الغاية، هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.” 7

وبالرغم من كل التقدم و المجهودات التي تبذلها الدولة على المستوى المعياري، نلاحظ عدم جدوى وفعالية السياسات القائمة على هذه المقاربة بالقطاعين العام و الخاص، الشيء الذي يدفعنا لطرح الإشكال التالي :

كيف ساهمت التشريعات الوطنية في مكافحة التمييز بين الرجال و النساء ؟ وأي سبل لتقليص فجوة التمييز بين الجنسين عبر مقاربة النوع الإجتماعي ؟

وهو الأمر الذي يجعلنا نطرح عدة أسئلة فرعية، قصد تمكيننا من الجواب على الإشكال المركزي.

• إلى أي حد ساهم التنصيص الدستوري و التشريعات الوطنية في مكافحة التمييز ؟

• أي تصورات لتنزيل سياسات عمومية تراعي إدماج مقاربة النوع الإجتماعي ؟

• كيف تحول معتقدات و تمثلات وخطابات المجتمع دون تحقيق التقدم في هذا الإطار ؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات، سنحاول تقسيم الموضوع لمطلبين، ينقسم كل منهما لفقرتين بشكل ثنائي يساعد على ملامسة جوانب الموضوع من زوايا متعددة.

المطلب الأول: مقاربة النوع الإجتماعي من خلال التنصيص الدستوري و التشريعات الوطنية.

الفقرة الأولى: مقاربة النوع في دستور 2011.

كما سبق وأشرنا في تقديم هذا الموضوع أن المملكة المغربية في إطار التزامها الدستوري، وانسجاما مع المواثيق الدولية التي صادقت عليها، أكدت على أن الرجل و المرأة يتمتعان على قدم المساواة بالحقوق و الحريات المدنية و السياسية والإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و البيئية، كما أن الدولة تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الجنسين، وثم إحداث هيئة لهذه الغاية، تسعى للمناصفةومكافحة كل أشكال التمييز.
وتهدف هذه الهيئة حسب القانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز إلى :

• إبداء الرأي بشأن مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية؛

• تقديم اقتراحات وتوصيات للحكومة و البرلمان بهدف تعزيز قيم المساواة والمناصفة وعدم التمييز وتكريسها و إشاعتها؛

• تلقي الشكايات بشأن حالات التمييز التي ترفع للهيئة من طرف ضحايا هذه الحالات؛

•تقديم مختلف أشكال المساعدة التقنية اللازمة للسلطات العمومية ومختلف الفاعلين في القطاعين العام و الخاص، من أجل التحقيق الفعلي لمبدأي المساواة والمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.

وغيرها من المهام التي أناطتها المادة الثانية من القانون المذكور للهيئة الدستورية.8

الفقرة الثانية: مقاربة النوع في التشريعات الوطنية.

سبقت الإشارة عبر الفقرة السابقة من هذا الموضوع للهيئة الدستورية للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز التي وضح القانون 79.14 أهدافها وكيفية تأليف أعضائها واختصاصاتها وطرق اشتغالها.

وفي هذا الصدد عرف المغرب إصدار عدة نصوص قانونية تسعى لتعزيز مكانة النساء في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، حيث مكنت التشريعات الوطنية لهذه الفئة ولوج الغرفة الأولى من المؤسسة التشريعية، عبر اعتماد آلية (الكوطا) التي تسمح للنساء بالترشح ضمن لائحة وطنية، تم تقسيمها خلال الإصلاحات الأخيرة للقوانين التنظيمية المتعلقة بالإنتخابات، وخاصة القانون التنظيمي رقم 04.21 المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، للوائح جهوية تراعي البعد المجالي وخصوصيات كل جهة .

حيث تتبارى النساء من خلال هذه الآلية على 60 مقعدا بمجلس النواب دون أن تحول هذه العملية على حقوقهن في الترشح برسم اللوائح المحلية.

كما أن القوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، خصصت كذلك مقاعد للنساء عبر نفس الآلية، قصد تعزيز مشاركة هذه الفئة سياسيا.

كما شملت الإصلاحات التشريعية مدونة الأسرة وتغيير قانون الجنسية وإدراج تجريم العنف الزوجي في القانون الجنائي، وأدخل قانون الشغل محاربة التحرش الجنسي ورفع مدة رخص الولادة إلى 14 أسبوعا، ضمن مواده. واعترفت وزارة الداخلية في شتنبر 2009 بحق النساء السلاليات مثلهن مثل الرجال في عمليات تفويت الأراضي الجماعية. 9

المطلب الثاني: تصورات تنزيل المقاربة عبر السياسات العمومية ومعيقاتها.

الفقرة الأولى: مقاربة النوع في السياسات القطاعية.

تعتبر المجهودات التي يبذلها المغرب في إطار تبنيه لمقاربة النوع الإجتماعي ومكافحة أشكال التمييز وتحقيق المساواة داخل المجتمع، محترمة بالمقارنة مع الماضي، حيث ظلت هذه الفئة الإجتماعية تعاني إقصاءا من نوع خاص، يستلزم جهودا أكبر وسياسات واقعية قادرة على تحقيق نتائج ملموسة في هذا الإطار.

ومن خلال تتبعنا لسياق تقوية دور المرأة في المجال العمومي، رصدنا خطاب النوع الإجتماعي في التصريح الحكومي باعتباره برنامجا استراتيجيا، تنصب من خلاله الحكومة من طرف البرلمان، ويضم الخطوط العريضة لسياسات الدولة في مختلف القطاعات الوزارية.

كما وقفنا على عدد من الإتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب والتزم بتنزيل مقتضياتها، كاتفاقية الأمم المتحدة بشأن الحقوق السياسية و التي تسعى لتبني مفهوم المساواة بشكل مطلق، أي عدم التفرقة على أساس العرق و اللغة و اللون أو الجنس.

وكذا التنصيص على الحق في الترشح و التصويت في جميع الإنتخابات وتقلد جميع الوظائف العامة.

توقيع المغرب أيضا على اتفاقية CEDAW التي تدعوا لإتخاذ المناسب من التدابير التشريعية وغيرها لحظر كل أشكال التمييز ضد المرأة.

ونسجل في هذا الباب انخراط المغرب في هذه المقاربة من خلال مشاركته في عدة مؤتمرات دولية حول قضايا المرأة ( مؤتمر نيروبي بكينيا 1975، مؤتمر بيكين بالصين 1995) لكن حضور المرأة رغم كل هذه المجهودات و السياسات و التشريعات ظل ضعيفا ولا يرقى للمناصفة بمفهومها الشامل، حيث وقفنا على بعض الأرقام المؤكدة لذلك، إذ أن المرأة لم تصل لمنصب حكومي قبل حكومة التناوب سنة 1997، ( 4 نساء) ليرتفع العدد إلى 7 خلال حكومة 2007، ثم تراجع لإمرأة واحدة خلال أول حكومة بعد دستور 2011.

أما حضورها في مناصب المسؤولية حسب معطيات لسنة 2009 فلم يتجاوز 15,2%. (9/10 نفس المرجع)

الفقرة الثانية: معيقات مقاربة النوع في المجتمع.

من خلال استقراء الوثائق القانونية والإطلاع على اعتماد المقاربة وإدماجها في السياسات العمومية و القطاعية ومقارنتها بالواقع اليومي للمرأة، يظهر أن هذه السياسات ظلت قاصرة و بعيدة عن تحقيق غاياتها و الأهداف المرتكزة عليها، وفي اعتقادي أن الأمر يعود للثقافة المجتمعية المحافظة التي تطغى عليها العقلية الذكورية، التي تنظر للمرأة وتصفها في خطاباتها بالكائن الناقص، الذي فرضت عليه المعتقدات المتوارثة الجلوس بالمنزل، والقيام بالأدوار التي حددها له المجتمع وتكرست في مخياله، وأن هذا الإشكال الكامن في عقل الجماعة لن تنفع معه أفضل التشريعات و أرقى السياسات العمومية ولا حتى البرامج و الخطابات التي تسعى لمكافحة أشكال التمييز.

كما أعتقد أن التنزيل السليم لهذه المقاربة يقتضي تكسير التمثلات وإعادة تشكيل البنيات الفكرية للمجتمع، انطلاقا من الأسرة ومؤسسات التنشئة الإجتماعية بغية تجاوز هذه المعيقات التي تفرمل كل إصلاح في هذا الإتجاه.

الحديث عن مفهوم مقاربة النوع الإجتماعي على ضوء السياسات العمومية بالمغرب، يسائلنا جميعا عن وجود الإرادة الحقيقية لتجسيد المقاربة واقعيا، وإدماجها في العقليات و الخطابات و التمثلات، قبل القوانين و السياسات. لكون التجربة المغربية سواء قبل دستور 2011 أو بعده ظلت قاصرة عن تحقيق غاياتها و أبعادها، وظل أثر نتائجها سواء الفورية أو بعيدة المدى ناقص الفعالية والنجاعة التي ترفعها شعارات الخطاب الرسمي . . .

مولاي ادريس بنفائدة: باحث في القانون العام، متخصص في التدبير العمومي و التنمية المجالية.

مراجع الموضوع :

•دستور 2011؛

•القانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة و محاربة كل أشكال التمييز؛

•محاضرات الدكتورة أسماء بنعيادة؛

•الموقع الرسمي لوزارة الإقتصاد و المالية و إصلاح الإدارة/ تقرير ذ جواد النوحي

•الموقع الرسمي لمرصد مقاربة النوع للوظيفة العمومية.

Loading

مقالات ذات صلة

الأحد 27 فبراير 2022 - 10:28

الكساد الأعظم القادم في عشرينيات القرن الحادي والعشرين

الثلاثاء 25 يناير 2022 - 11:48

سلوكيات و ممارسات تعاد كل سنة لم تترك المجال للغة الأمازيغية ( رافد الاطلس ) الترقي في مجال الفنون و الصحافة

الأربعاء 5 أغسطس 2020 - 21:32

المدرسة المغربية و ثقافة المقاولة

الجمعة 17 يوليو 2020 - 18:42

أحيانا لابد أن نستحضر الأحزاب وما يحدث لها وفيها