محمد الدرغالي
في هذا الحوار مع جريدة مملكتنا ، يجيب السيد يوسي توليدانو على أسئلة تهم عمق العلاقة التي تربط اليهود من أصل مغربي بوطنهم الأصلي المغرب ، حيث تمثل المملكة المغربية بالنسبة لليهود “أرض المحبة والسلام بين مختلف الديانات ، ونموذجا فريدا لتعايش اليهود والمسلمين على مدى قرون”
كمغربي يهودي يعيش في إسرائيل، كيف تعرف نفسك لمواطني المغرب؟ وماذا تمثل لك هويتك المغربية كيهودي في إسرائيل ؟
بالنسبة لي، تمثل هويتي المغربية ارتباطًا عميقًا بالإرث الثقافي والتاريخي للمغرب. تتميز هذه الهوية بمزيج من الغنى الثقافي والتقاليد والقيم التي تعود جذورها إلى المغرب، والتي اندمجت أيضًا مع الثقافة الإسرائيلية. يمتلك المغرب تاريخًا طويلًا من التسامح الديني حيث عاش اليهود والمسلمون معًا لعدة قرون ، وبصفتي يهوديًا في إسرائيل، أسعى للحفاظ على هذا الإرث من خلال التمسك بجذوري وعادات أسلافي التي تشكل جزءًا من حياتي.
صحيح أنني يهودي أعيش في إسرائيل، ولكن هويتي المغربية مرتبطة أيضًا بالثقافة واللغة المغربية. أشعر بارتباط قوي بالإرث والتاريخ المغربي، وهو ارتباط يعبر عن إمكانية الحفاظ على علاقات التفاهم المتبادل بين اليهود والعرب، وبين إسرائيل والمغرب.
تتشكل هويتي كيهودي يعيش في إسرائيل ولكنه جزء من الشتات المغربي على عدة أبعاد: الارتباط التاريخي بالمغرب، الإرث الثقافي والعادات، والارتباط العاطفي الذي يظهر من خلال ذكريات الأسرة التي شكلت هويتي.
إضافة إلى ذلك، هناك ارتباط بالشتات المغربي العالمي، الذي يتيح لي أن أكون جزءًا من مجتمع يهودي-مغربي في أي مكان في العالم، وليس فقط في المغرب. المغرب ليس مجرد مكان جغرافي، بل مساحة حوار بين الهوية اليهودية والإرث المحلي.
ما هي اللحظات والحوارات التي تركت انطباعًا عميقًا لديك خلال اللقاء مع الشباب المغاربة الذين زاروا إسرائيل ؟
كانت من أهم اللحظات عندما عبّر أحد المشاركين في الوفد عن مشاعره حول تحديات الحياة في المغرب اليوم. أشار إلى أنه يشعر بغياب “التاريخ المشترك” مع اليهود حاليًا، وأن جزءًا من هذا الإرث لا يُعرف بشكل كافٍ. كانت لحظة تفاهم متبادل، شعرت فيها أننا جميعًا نشارك نفس التقاليد، حتى لو بدت مختلفة حسب المكان الذي نعيش فيه.
بالإضافة إلى ذلك، أشار أحد أعضاء الوفد إلى الفجوة بين الصورة الموجودة عن إسرائيل في المغرب وما شاهده هنا. تحدث عن إسرائيل كدولة حديثة ومتقدمة بجانب صراعات مستمرة. كان من المهم لي أن أشرح له الواقع الإسرائيلي المعقد، وكيف نحمل نحن كيهود مغاربة معنا تجارب الماضي – الإحساس بالوطن الذي كان لدينا في المغرب، ومعنى دولة إسرائيل في أعيننا كوطن.
كان هذا الحوار ليس فقط فرصة لشرح موقفي، بل أيضًا لاكتساب منظور جديد حول كيفية رؤية المغرب لإسرائيل. شعرت أن هذا الحوار يمكن أن يكون جسرًا بين الأجيال والدول.
كيف تسهم الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل في الحفاظ على التراث المغربي وتعزيز العلاقات بين الشعبين؟
تلعب الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل دورًا محوريًا في الحفاظ على التراث المغربي وتعزيز العلاقات بين الشعبين على المستويين الثقافي والدبلوماسي. يتمثل ذلك في عدة مجالات رئيسية:
• الحفاظ على التقاليد: من خلال الحفاظ على عادات وتقاليد الأجداد قبل وصولهم إلى إسرائيل ونقلها إلى الأجيال الثانية والثالثة.
• تعزيز الروابط مع المغرب: عبر السياحة المتبادلة، وتنظيم الرحلات الدراسية، والمشاريع الثقافية المشتركة في مجالات متنوعة.
• المشاركة في مشاريع تعزيز التسامح: مما يتيح للجالية اليهودية المغربية في إسرائيل أن تكون جسرًا بين إسرائيل والمغرب.
من خلال هذه الجهود، لا تحافظ الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل فقط على التراث المغربي وتورثه للأجيال القادمة، بل تلعب أيضًا دورًا مهمًا كجسر ثقافي ودبلوماسي لتعزيز الروابط بين إسرائيل والمغرب وتطوير حوار مثمر ومفتوح بين الشعبين.
هل تعتقد أن الهوية المغربية المشتركة بين اليهود والمسلمين يمكن أن تلعب دورًا في بناء جسور حقيقية للحوار والتفاهم؟
بالتأكيد أؤمن بأن تاريخ اليهود المغاربة والتعايش مع المسلمين على مر القرون قد خلق أساسًا غنيًا ورائعًا للقاء بين الثقافات، يركز على التجارب المشتركة، والقيم المتشابهة في الثقافة والمعتقدات، والتراث الثقافي المشترك الذي يمكن أن يُبنى عليه حوارات قوية ومثمرة.
الجيل الشاب، سواء في إسرائيل أو المغرب، لا يعرف دائمًا هذا التاريخ المشترك. إنه جيل يسعى لفهم مكانه في الثقافة العالمية، وقدرة تقديم هذا التراث المشترك له يمكن أن يكون أساسًا قويًا للحوار، الشراكة الحقيقية، وإزالة الصور النمطية.
إذا تعلمنا هذا التاريخ وعشنا وفقًا للمبادئ المشتركة، فهناك فرصة حقيقية لبناء علاقات مستقرة ومثمرة بين اليهود والمسلمين، وبين إسرائيل والمغرب، وبين الشعبين.
هل ترى فرصة لإطلاق مشاريع ثقافية أو تعليمية مشتركة بين الشباب المغربي والإسرائيلي لتعزيز الروابط؟
بالتأكيد! هناك إمكانيات هائلة لإطلاق مشاريع ثقافية وتعليمية مشتركة بين الشباب المغربي والإسرائيلي، خاصة في ظل الروابط التاريخية والثقافية والعائلية المشتركة بين الجاليتين اليهودية والمغربية.
يمكن لهذه المشاريع أن تعزز العلاقات بين البلدين وتساهم في التفاهم وتبادل الثقافات بين الشباب. يمكن أن تعتمد المشاريع على السرد المشترك، مع التركيز على الموضوعات المشتركة بين الثقافتين.
من بين هذه المشاريع: برامج تبادل الشباب، مهرجانات ثقافية وموسيقية، برامج تعليمية مشتركة، وبرامج للطهي يمكن أن تعمق العلاقة المتبادلة وتعزز الاحترام المتبادل وتخلق حوارًا بين الثقافات.
ما رأيك في تأثير الزيارات المتبادلة على تحسين الفهم بين الشباب المغربي والإسرائيلي؟
تلعب الزيارات المتبادلة دورًا كبيرًا في تحسين الفهم والعلاقات بين الطرفين. تتيح هذه الزيارات التعرف المباشر على الثقافات المختلفة، اللغات، والتقاليد، وتسمح للشباب بتجربة واقع أقرانهم في البلد الآخر.
تساهم اللقاءات المباشرة في خلق التعاطف والفهم المتبادل، مما يساعد على بناء جسور ثقافية واجتماعية. وبهذا الشكل، يمكن بناء حوار حقيقي وتقليل التحيزات.
فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، يمكن لهذه اللقاءات أن تشجع على الانفتاح على الحوار، خاصة في بيئة الصراعات السياسية والدبلوماسية. عندما يتعرض الشباب المغربي مباشرة للواقع الإسرائيلي وتعقيدات المنطقة، يمكنهم تطوير فهم أعمق للتحديات المرتبطة بالصراع.
في رأيي، يمكن للجيل الشاب من الطرفين الاستفادة من التاريخ المشترك والقيم المشتركة وإمكانيات الحوار والتعاون لبناء مستقبل أكثر إيجابية. ومن خلال خلق روابط عميقة وتعاون عملي، يمكن للشباب أن يكونوا قوة إيجابية للتغيير وتعزيز التفاهم والسلام في المنطقة.
ما هي رسالتك للشباب المغربي والمغاربة عمومًا حول أهمية الحوار الثقافي؟
رسالتي للشباب المغربي وللمغاربة عمومًا هي أن الحوار الثقافي أداة مركزية لبناء جسور التفاهم والتعاون والسلام بين الشعوب والمجتمعات.
لطالما كان المغرب بلدًا يتميز بالتسامح الديني، وقبول الاختلافات، والشمولية الثقافية. وتاريخه مليء بأمثلة التعايش بين اليهود والمسلمين، التي ما زلنا قادرين على التعلم منها اليوم.
أؤمن بأن الحوار الثقافي هو المفتاح لبناء مجتمع أكثر تسامحًا وانفتاحًا وارتباطًا بالعالم. يمكن للشباب المغربي الذي يشارك في هذه الحوارات أن يحافظ على تقليد التسامح والتعايش الذي يميز المغرب، وفي الوقت نفسه يقود التعاون والفهم الأفضل بين الثقافات حول العالم.
يوسي توليدانو ، ولد في إسرائيل لوالدين هاجرا من المغرب (من دمنات وسطات) يعمل في مجال التعليم، في كلية التربية كرئيس لشؤون الطلاب ، طالب دكتوراه في تاريخ يهود المغرب
مملكتنا.م.ش.س