محمد الدرغالي
في المشهد السياسي المغربي، لا يمر عام دون أن يخرج علينا المعطي منجب بتصريح جديد عن “المنع من السفر”، “المتابعة السياسية”، أو “إضراب عن الطعام”. رجل يصرّ على أن يكون في قلب العاصفة، ولو لم تكن هناك عاصفة. يصنع منها زوبعة، ثم يصورها للعالم على أنها عاصفة هوجاء ضد حرية الفكر والرأي.
منجب لا يطرح أفكارًا حقيقية، بل يوزع اتهامات جاهزة، يتحدث بلغة المؤامرة، ويقدم نفسه على أنه “المفكر المظلوم، الباحث المطارد، والحقوقي الذي يخيف الدولة”. والحقيقة أنه لا يخيف أحدًا سوى جمهوره الذي بات يصدق أي شيء يُقدم له ملفوفًا في عباءة “حقوق الإنسان”.
سيرة ذاتية قائمة على الأزمة
الرجل بنى جزءًا كبيرًا من حضوره الإعلامي على صورة “المفكر المضطهد”. لم يُعرف له إنتاج علمي نوعي محترم في السنوات الأخيرة، ولا مساهمات فكرية تُناقش بجدية في الجامعات، لكنه حاضر دومًا في صفحات التقارير الحقوقية والمنابر الإعلامية الدولية، كأنه حامل لرسالة كونية.
هو لا يبحث عن الحقيقة، بل يبحث عن سبب جديد ليبقى في دائرة الضوء. وإذا لم يجد مشكلة، يصنعها. وإذا لم تكن هناك متابعة، يتحدث عن التهديد. وإذا لم يكن هناك تهديد، يتحدث عن المنع. وفي كل الحالات، النتيجة واحدة: بقاء اسمه حاضرًا، حتى لو غابت مصداقيته.
خطاب فارغ بلغة ثقيلة
لغة منجب لا تعكس فكرًا عميقًا بقدر ما تعكس حاجة ملحة لتأزيم الخطاب. يكتب ويتحدث وكأن المغرب يعيش في حالة طوارئ دائمة، بينما الواقع مختلف تمامًا. هو لا يعترف بأي تقدم، ولا يقرّ بأي إصلاح، لأن اعترافه سيُسقط رواية “الاضطهاد” التي يعيش عليها.
منجب لا يمارس النقد من الداخل، بل يفضل التحدث إلى الخارج. يتجاهل ساحات النقاش الفكري والمؤسسات الوطنية، ويهرول إلى الإعلام الفرنسي والمنظمات الغربية، في نوع من “الاستقواء” الخارجي الذي فقد بريقه ومصداقيته في نظر الشعب المغربي.
بائع “قضايا جاهزة”
المعطي لا يناقش قضية معينة بجدية أكاديمية. هو يبيع “قضايا جاهزة” يمكن تعبئتها وتصديرها للخارج بسهولة: حرية تعبير، صحافة مضطهدة، فساد إداري، وتضييق على النشطاء. كلها مفاهيم تُستهلك في الغرب دون تحقق أو تمحيص، وتمامًا هنا يكمن مشروع منجب الحقيقي: تسويق صورة بلد مضطرب لكي يُبقي على دوره كـ”ضحية مثالية”.
ازدواجية الخطاب
الأخطر في منجب هو هذه الازدواجية: يهاجم الدولة ويصفها بـ”الاستبدادية”، لكنه لا يغادر مؤسساتها ولا يتخلى عن جنسيته ولا يتوقف عن الاستفادة من المنظومة التي يذمّها. يصرّ على البقاء في اللعبة، فقط بشرط أن يكون هو وحده من يضع قواعدها، ويُمنع غيره من نقده.
ويبقى المعطي منجب ليس مفكرًا مضطهدًا، بل هو مشروع احترافي في صناعة الضحية. لا يدافع عن الحريات بقدر ما يدافع عن موقعه في “سوق النضال الدولي”. هو ليس خصمًا حقيقيًا للنظام، بل منتَج من منتجاته الجانبية، يعيش في الظل، ويقتات على التوتر.
وفي النهاية، المغرب لا يحتاج إلى صراخ إضافي ولا إلى مظلوميات مصطنعة. نحتاج إلى مفكرين حقيقيين، لا يختبئون خلف المنع، بل يواجهون بالفكر. لا يبيعون الأوهام للمنظمات، بل يصنعون الوعي في الداخل.
مملكتنا.م.ش.س