Advertisement
Advertisement

حسناء أبو زيد .. النخلة التي ظنّوا أنها ستموت بالعطش، فأنبتت في صمتٍ شجرة من المعنى

الأربعاء 8 أكتوبر 2025 - 16:26

محمود هرواك

كانت البداية من الجنوب المغربي، من أرضٍ تعرف معنى الكرامة حين تُروى بالعرق لا بالكلام. هناك وُلدت حسناء أبو زيد، لا كاسمٍ عابر في دفاتر السياسة، بل كبذرةٍ من نارٍ وحنين، جمعت بين صلابة الصحراء ونعومة النسيم الذي يهبّ من الأطلس. في طفولتها، لم تكن تحلم بالكرسي، بل بالعدل، وكانت تنصت إلى وجع الناس كما تنصت الأم لنبض ابنها، وتتعلم من الحياة أن الإنصاف ليس شعارًا يُرفع، بل موقف يُدفع ثمنه من الراحة والعُمر والسكينة. من مقاعد الدراسة إلى فضاءات النضال الطلابي، كانت تشبه السهم حين يخرج من وتر الحقيقة، لا تتردد، لا تساوم، لا تبتسم للمنافقين. وحين دخلت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم تدخل لتزيّن لوائح الكوطا النسائية، بل لتكسر الحواجز وتقول: “المرأة ليست رقمًا في التوازنات، بل فكرة في المعنى.”

صعدت المنابر البرلمانية كمن تصعد الجبل وحدها في وجه الريح، لم تكن تتقن لغة المجاملة، بل لغة الوطن. كلماتها كانت حجارةً من نارٍ تُرمى في مياهٍ راكدة، كل جملةٍ منها تُزلزل رتابة الخطاب السياسي المعلّب. دافعت عن قضايا النساء، عن العدالة الاجتماعية، عن المدرسة العمومية، وعن كرامة المواطن المغربي، وفي زمنٍ كان فيه الولاء يُقدَّم على الكفاءة، كانت حسناء تصرّ على أن الانتماء الحقيقي هو للوطن لا للزعيم. كانت تؤمن أن السياسة لا تُختزل في الصفقات والصفوف الخلفية، بل في تلك الوقفة الصادقة أمام الحقيقة مهما كانت قاسية.

وحين حذّرت من تكلّس الحزب ومن تحوّل الفكر الاتحادي إلى ظلٍّ باهتٍ لشخصيات عابرة، وحين طالبت بإعادة الاعتبار للمبادئ قبل الأشخاص، أقاموا لها محاكم النوايا.. نعم أيها الأحبة؛ حوربت لأنها لم تُصفّق، واتُهمت بالغرور لأنها رفضت الركوع. لكن حسناء، التي كانت تشبه نبتة الجنوب العنيدة، لا تُكسر بسهولة، فكل محاولة لإقصائها كانت تزيدها تجذرًا في الأرض. أُقصيت من المشهد، حوصرت في الظل، وظنّوا أن الزمن سيطويها كما طوى غيرها، لكنها ظلّت واقفة كالنخلة، لا تبيع ظلّها لمن قطع جذورها.

حين صمتت، لم يكن صمتها استسلامًا، بل استراحة محاربٍ خاض حربه بشرف. اشتغلت في الميدان الاجتماعي والتنموي، وواصلت تكوين الأجيال الجديدة على قيم المواطنة والنزاهة الفكرية. ظلّت تزرع في النفوس فكرة أن السياسة ليست حرفة الوصول، بل فنّ الإصغاء لنبض الوطن. ومع كل أزمةٍ يعيشها المشهد الحزبي، كان اسمها يعود كوميضٍ في العتمة، تذكرنا بأن الصدق لم يمت، وأن في هذا البلد نساءً ورجالًا قالوا الحقيقة ودفعوا الثمن.

اليوم، ونحن في هذا الانتقال الفريد من نوعه، نقولها بصوتٍ عالٍ: آن الأوان أن تعودي يا حسناء، فالمغرب يحتاجك، والشباب يحتاج قدوتك. نحتاج إلى من يشبهنا في الصدق، لا في الشعارات، نحتاج إلى المرأة التي واجهت القطيع وحدها، إلى البرلمانية التي جعلت المنبر مدرسة، إلى السياسية التي لم تخلط بين الموقف والمصلحة. عودي لأن الساحة السياسية اليوم عطشى لملحٍ نقيٍّ يعيد إليها الطعم، عودي لتذكّري الاتحاديين أن الحزب لم يُخلق ليكون ملاذًا للمتملقين، بل محرّكًا للحلم الجماعي، وعودي لتذكّري اليسار أن رسالته ليست في الماضي بل في المستقبل الذي يصنعه الواعون.

يا اتحاديين واتحاديات، ألا تستحق هذه السيدة أن تُرفع من جديد راية باسمها؟ ألا يليق بالاتحاد الاشتراكي أن يُصالح ضميره باستعادة أنبل ما أنجب؟ لقد آن أن يُفتح الباب لا بالمجاملات، بل بالاعتراف. إن حسناء أبو زيد ليست صفحةً طُويت، بل فصلًا جميلاً لم يُكمل قراءته الوطن بعد. تعلموا من قصتها أن الصدق يُعاقَب أحيانًا لكنه لا يُهزم، وأن النقاء قد يُقصى لكنه يبقى أجمل من ألف انتصارٍ ملوّث. إن المرأة المغربية حين ترفع رأسها لا تفعل ذلك لتُرى، بل لتُرينا نحن معنى الكرامة.

عودي يا حسناء، فالوطن ما زال في حاجةٍ إلى من يذكّره أن السياسة يمكن أن تكون صلاةً للوطن لا صفقةً في السوق، عودي لأن جيلًا جديدًا ينتظرك، جيلًا يريد أن يرى فيك المرآة التي لم تنكسر رغم الغبار. عودي لأن الأمل الذي حملتِه لم يمت، بل ينتظر أن تنفخي فيه الحياة من جديد.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

Advertisement

مقالات ذات صلة

الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 21:09

منتدى “المغرب الدبلوماسي- الصحراء”: الأقاليم الجنوبية أصبحت فاعلاتٍ وواجهاتٍ ومختبراتٍ لمغرب الغد الرقمي (السيدة السغروشني)

الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 18:04

سماء البحث العلمي تزداد نجوماً .. والدكتور زهير زين العابدين يلمع بإشعاعِ عِلْمٍ يزهو برجاله

الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 16:48

مجلس النواب يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026

الجمعة 14 نوفمبر 2025 - 13:30

عمالة مراكش .. إطلاق لقاءات التشاور حول الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة