الرباط – طالبت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مديري الأكاديميات الجهوية بـ”العمل على تجميع وتحليل البيانات والمعطيات اللازمة لتقييم مستويات تعرض المؤسسات التعليمية لخطر الفيضانات، وإعداد خرائط خطر مفصلة على مستوى كل مديرية إقليمية”.
ودعت الوزارة، في مراسلة إلى المسؤولين المذكورين، في هذا السياق، إلى “العمل على ربط الاتصال بمصالح الوكالات الحضرية ووكالات الأحواض المائية، بهدف الحصول على خرائط المواقع المهددة بخطر الفيضانات وجرد المؤسسات التعليمية المتواجدة داخل أو قرب هذه المواقع، مع استشارة هذه المصالح حول التدابير والإجراءات الوقائية الاستباقية الواجب اتخاذها في هذا الصدد”.
وذكرت وزارة التربية أن الإجراءات التي طالبت بها تندرج “في إطار التدابير الاستباقية للتعامل مع الأخطار الناجمة عن سوء الأحوال الجوية، ولا سيما خطر الفيضانات الذي يهدد بعض المؤسسات المتواجدة بمحاذاة المجاري المائية، وحرصا على سلامة التلميذات والتلاميذ والأستاذات والأساتذة وأطر الإدارة التربوية ومرتفقيها، وحماية للمؤسسات التعليمية ومرافقها ومنشآتها من الخسائر المادية المحتملة”.
وبالنظر إلى “الطابع الاستعجالي لهذا الموضوع، خاصة في ظل التقلبات المناخية الراهنة”، طلب المصدر نفسه من مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين “موافاة الكتابة العامة في أقرب الآجال بخرائط الخطر التي تم إعدادها، وكذا التدابير والإجراءات الوقائية المزمع اتخاذها للحد من الآثار المحتملة للفيضانات بشكل استباقي”.
“الاستعجال ضروري”
رضوان الرمتي، فاعل تربوي وممثل المتصرفين التربويين بالوزارة الوصيّة، قال إن “مبادرة الأخيرة بتوجيه المسؤولين نحو تجميع المعطيات اللازمة لتقييم مستوى خطر تعرض المؤسسات التعليمية للفيضانات، وإعداد خرائط مفصلة في الموضوع، إيجابية وهي الأولى من نوعها”.
وأضاف الرمتي، في تصريح لهسبريس، أن “الإجراءات السابقة التي اتخذتها المصالح اللاممركزة للوزارة، من خلال تعليق الدراسة خلال الأيام التي تشهد اضطرابات جوية، تمثل فقط هروبا من الخطر، لكنها لا تزيله”، مًورداً أنه “في حال تمخضت عن الخرائط المرتقب إعدادها إجراءات عملية فسنكون أمام مكافحة للخطر من الأساس”.
وزاد الفاعل التربوي ذاته: “في القديم أنشئت عدد من المدارس التعليمية بالمناطق القروية بجانب المجاري المائية والمقابر وغيرها، أي في الأماكن غير المطلوبة للبناء من قبل الساكنة بغرض السكن”، مشيرا إلى “وجود عدد من المؤسسات التعليمية مثلا في الحوز وشيشاوة بجانب الأودية والشعاب”.
وشدد المتحدث ذاته على “وجوب الاستعجال في التعامل مع المعطيات التي سيتم تجميعها، وترجمتها إلى إجراءات عملية، بما يضمن حماية المؤسسات التعليمية والتلاميذ والتلميذات والأطر التربوية والإدارية من مخاطر الفيضانات”.
إجراء ظرفي؟
يرى عبد الإله الخضري، الباحث في تدبير المخاطر ورئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن “مراسلة الوزارة خطوة مهمة ووقائية إلى حد ما، لكنها تعكس إدراكا متأخرا لخطورة التقلبات المناخية المتزايدة، من قبيل ارتباطها المباشر بحماية الحق في الحياة، والحق في السلامة الجسدية، والحق في تعليم آمن ومتاح دون تهديد”.
وأضاف الخضري في تصريح لهسبريس: “القيمة الإجرائية للقرار لا ترقى بعد، حسب تقديري، إلى مستوى سياسة عمومية وقائية متكاملة، وإنما مجرد إجراء تقني ظرفي، محكوم بمنطق التدبير الاستعجالي أكثر منه مقاربة سياسية استباقية، قائمة على التقدير القبلي للمخاطر وتفاديها في الوقت المناسب”.
ومن منطلق مقاربة تدبير المخاطر يعتقد الباحث ذاته أن “السبب في ضعف قيمة هذا القرار يرجع إلى عوامل كثيرة، من بينها أننا أمام تاريخ طويل من إحداث مؤسسات تعليمية في مجالات فيضية دون احترام دراسات الأثر البيئي والمخاطر الطبيعية (ربما هناك سبب ضمني يتعلق بصعوبة إيجاد الوعاء العقاري المناسب لبناء المدارس)”.
وسجّل المتحدّث نفسه أن ذلك يأتي “في ظل غياب قاعدة بيانات وطنية عمومية ومحينة حول المخاطر التي تهدد الفضاء المدرسي، بما يضمن الشفافية والحق في المعلومة، وضعف التنسيق المؤسساتي بين وزارة التربية الوطنية ووكالات الأحواض المائية، والجماعات الترابية، وقطاعات التعمير، فضلا عن إقصاء الفاعلين المحليين والمجتمع المدني من آليات الرصد والإنذار المبكر، وتحويل الخطر إلى مسؤولية إدارية تقنية بدل اعتباره مسألة حقوقية تمس الأمن الإنساني للأطفال”.
وشدد الخضري على أن “الاكتفاء بإعداد الخرائط دون إجراءات ملزمة قد يؤدي إلى التطبيع مع وجود مؤسسات تعليمية في مناطق خطرة، وتحميل المسؤولية لاحقا للإدارة المحلية أو للأطر التربوية، وإعادة إنتاج منطق التدخل بعد الكارثة بدل منعها”، داعيا إلى “نشر خرائط الخطر للعموم ضمانا للحق في المعلومة، مع تكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في كل إخلال سابق أو لاحق”.
![]()



