زينب العدوي وجه أنثوي يقتحم أول منصب تنفيذي جهوي بالمغرب
الوالي الجديد زينب العدوي ترى أن التغيير في المغرب كان تدبيرا بمراحل، خطوة بخطوة وليس بقوة صاروخية، ما جعل المملكة تتفادى كل مواجهة عنيفة.
وزيرات وبرلمانيات مغربيات ورئيسات شركات ومقاولات بالمغرب، أما المناصب التنفيذية في الدولة فكانت حكرا على الرجال. هذا المنصب تسلمته مؤخرا امرأة مغربية استطاعت أن تطرق أبواب المهام الصعبة وتنجح فيها بامتياز. مرت ثلاثون سنة عندما عينت عام 1984 أول قاضية للحسابات، وجاءت سنة 2014 لتترقى بكفاءة وشجاعة وتحقق ذاتها.
هي أول وال (محافظ) تشغل هذا المنصب بالمغرب، قرار يعتبر “إشارة قوية من الملك محمد السادس تدل على المكانة التي يبتغيها للمرأة المغربية”، حسب تصريح الوالي زينب العدوي بعد أدائها القسم إثر تعيينها في منصبها الجديد.
مهمة والي جهة غنية فلاحيا وصناعيا ليس بالأمر الهين، إنها الجهة التي تحتوي على أكثر من ثلث احتياطي الماء بالمغرب. جهة مشهورة بالفواكه الحمراء، في مجتمع ألف الرجال في مثل هذه المسؤوليات، لكن المغرب استطاع في السنوات الأخيرة أن يدخل في غمرة إصلاحات ويجرف عدة ممارسات كانت مترسبة.
المنصب يحمل الكثير من الاختصاصات ومنها السهر على تدبير الاعتمادات من المركز لتطبيق ما يحتاجه المواطن حقيقة. وهناك تحديات أمام هذه المسؤولة ترتبط بالعقلية الذكورية التي لا ترى وجودا للمرأة إلا بين جدران البيت، وتحديات ميدانية ترتبط باعتبارات الاهتمام بالتنمية البشرية ومحاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية والأميّة.
العدوي وجه أنثوي في جهاز سلطة محوري بالمغرب، من مواليد مدينة الجديدة سنة 1960 كانت قبل هذا التنصيب رئيسة المجلس الجهوي للحسابات بالرباط منذ سنة 2004، وعينها الملك عضوا في اللجنة الاستشارية الجهوية. ونشّطت عدة دورات وورشات عمل خصوصا في مجال مراقبة المالية العمومية والتدبير والتدقيق، وهو ما يؤكد أن المرأة المغربية قادرة على تحمل المسؤولية في أعلى المستويات.
الوالي الجديد مؤهلة عمليا وعلميا كونها حاصلة على دبلوم الدراسات العليا في العلوم الاقتصادية، فهي الوجه الجديد للمرأة المغربية الذي بدأ يتبلور منذ زمن، وملامحه القانونية استطاعت البروز مع مدونة الأسرة والدستور الجديد، وخلال مزاولتها للتعليم كانت هي الأولى في الدراسة وهذا ما جعلها تصر على أن الكفاءة هي المرجع في الاختيار.
هاجس هذه المرأة هو حماية المال العام الذي كان إطار درس ديني شرحت فيه زينب العدوي أمام الملك أن “القائم على المال العام في الإسلام يعمل في حدود الضوابط الشرعية وينهج السلوك القويم في صرف المال العام، يدفعه في ذلك رضا الله ورضا وليّ الأمر ورضا المسلمين، وهي أسمى أنواع الرقابة في الإسلام “، درس ترأسه الملك محمد السادس تحت عنوان “حماية الأموال العمومية في الإسلام”.
من خلال ترؤس زينب العدوي لجهاز تنفيذي مهم بالمغرب نرى أن الدولة تُفعّل المفهوم الجديد للسلطة الذي دشن معالمه العاهل المغربي عند اعتلائه العرش منذ خمس عشرة سنة. وتؤكد على تبني مبدأ المساواة والمناصفة المضمن في نص الدستور لعام 2011 الذي تدعو جميع الأصوات الحقوقية إلى تفعيله، “فكيف يعقل في بلد نصفه نساء ويدين بدين الإسلام أن تهضم حقوق المرأة فيه”؟ وهذا ما ورد في خطاب للملك.
المنصب يمكن أن يغري فهو يتيح إمكانية أن تصبح المرأة الحقوقية حديدية، غير أن السيدة العدوي تملك ثقافة تحصنها من هذا الإغراء فهي القائلة “أنا أبقي على أنوثتي وعاداتي ومبادئي، فالسلطة ليست منافية للأنوثة، ولن أترجل فقوتي أستمدها من كفاءتي، وعملي الميداني ومدى تأثيري من خلال النتائج، فطريقتي في التدبير كامرأة ستبقى كما هي”.
لهذه السيدة نظرية حول المرأة التي تتقمص دور الرجل عندما تقول بأن “الخطأ الذي نرتكبه نحن النساء هو أننا نسعى لإثبات أن نكون مثل الرجل” والعكس هو الصحيح، وذلك بأن تعمل المرأة بمهنية وفعالية والمطلوب هو النتائج والتأثير الإيجابي على الآخرين.
من خلال معالجتها للملفات المتنوعة والمتشعبة كقاضية حسابات، ترى العدوي أن الحلول ليست في كثرة المراقبة الإدارية والعقاب لكن المراقبة الذاتية هي المطلوبة، وهي ترى من واقع الدراسة والخبرة أن كل ما تدعو إليه المراكز الدولية في مجال مراقبة المال العام، موجود عندنا فأول من أسس مفهوم التصريح بالممتلكات ونظام المشاطرة هو عمر بن الخطاب، فالشيء الذي ليس ملكا للوالي يرجع إلى بيت المال.
تعترف زينب العدوي أنه: “لم يكن لديّ احتكاك بمعيش المواطن في حياته اليومية عندما كنت رئيسة المجلس الجهوي للحسابات، لكن من خلال منصبي الجديد حتما عليّ الخروج إلى الشارع والمصانع بالمدينة والقرية البعيدة لأقف بنفسي على ما تعيشه المرأة والرجل في الحقول”.
ومن خلال الاحتكاك أرادت تطبيق مخطط تنمية المراكز لتنمية العالم القروي، وتؤكد العدوي أنه لا بد من وجود استثمارات في الثروة البشرية خاصة في فئتي الشباب والمرأة. وهي دائبة في البحث عن فرص استثمارية داخل المغرب وخارجه خدمة للجهة التي تتولى المسؤولية داخل مجالها الترابي.
المرأة الوالي الأول في مملكة محمد السادس تربت في بيئة محافظة وأسرة علمية فهي ابنة فقيه وتقرض الشعر وهي دائمة الحمد لله عندما يتم تعيينها في منصب تخدم من خلاله المواطن. وهذا التعيين دليل على جديتها ونزاهتها ومثابرتها في العمل.
قرأت القرآن في صغرها باعتدال وبساطة وليونة لا ترهق منطق الحياة ولا الهدف الحقيقي من التعاليم الدينية الخادمة لقيم الإنسانية، كانت تقول بأن أباها كان يلح على احترام المرأة والفتاة “لا يكرمهن إلا كريم ولا يذلّهن إلا لئيم”.
العدوي ترى أن التغيير في المملكة كان تدبيرا بمراحل، خطوة بخطوة وليس بقوة صاروخية. ما جعل المغرب يتفادى كل مواجهة عنيفة؛ فالأحزاب تتدافع سياسيا وهذا أمر صحي، والاهتمام بالمواطن ازداد منسوبه في عهد الملك محمد السادس بل تم في مراحل متعددة وبجرعات صحية.
لا تعليمات بل هناك توجهات استراتيجية للدولة فالدستور يوضّح المهام، ومخطط التنمية الجهوي تضعه الوالي بمعية المنتخبين وممثلي الجماعات المحلية بالجهة في احترام للتوجهات الأساسية المركزية التي بلورتها الحكومة، فهي تؤكد أن الديناميكية الجديدة في المغرب تركز على ألا شيء يُفرض من المركز. وباعتبارها كانت عضوا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان فهذه المرأة متشبعة بثقافة حقوقية لا تقبل التجاوز في هذا المجال، وهو ما يؤكده تصريحها: “في إطار تدبيري لمهامي كوال لا يمكن أن أسمح بأن يكون هناك تعد على حقوق الإنسان”، وترى من حيث المواقع التي مارست فيها عملها أن جهاز الشرطة بالمغرب تطور كثيرا من ناحية تمثله للمفهوم الجديد للسلطة، باعتبارها سلطة القرب والفعالية والتنمية.
كما صرحت مرارا أن النتائج هي الفيصل، فمنذ توليها منصبها في جهتها تضاءلت نسبة الجريمة بشكل كبير، والتعدي على الآخرين بالأسلحة لم يعد موجودا. وهذا راجع كما تقول إلى سياسة القرب التي تنتهجها؛ “يشعر المواطن بالاطمئنان عندما يجد أن الدولة قريبة منه وتستمع لمتطلباته ومعاناته وتلبي احتياجاته، والمال العام لا يستباح بل يذهب فيما ينفع″.
أعداء التنوع والنجاح لا تخلو منهم منطقة ولا ميدان إلى الحد الذي أغضب زينب العدوي من تصرف صدر عن أحد أعضاء الجهة المنتمين لحزب العدالة والتنمية عندما سفه مشروعها التنموي للنهوض بالجهة، قائلا: ”نتمنى أن لا يكون مجرد أحلام”، وكان الرد حازما وقويا من هذه المرأة: ”أنا لا أحلم، وجئت لأطبق برنامجي”.
فهل سيتركها معارضو وجودها كامرأة في هكذا منصب تشتغل أم لا؟
هي عنيدة في الحق، ونظرتها للأمور المستقبلية طموحة، و”لِمَ لا رئيسة وزراء”، “فأنا آخذ على عاتقي إنجاح هذه التجربة التي أثنى عليها الجميع″، وتضيف “كل واحد يمكن أن يرى فيّ أخته أو ابنته”.
مملكتنا.م.ش.س/عرب