قضية الصحراء اليوم في حاجة إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية
يلاقى المقترح المغربي لحل قضية الصحراء تأييدا كبيرا من طرف القوى الإقليمية والدولية الكبرى مما أحدث نوعا من اليقين غير المعلن لدى الدبلوماسية المغربية بأن المسألة قد حسمت لصالحهم.
لكن الموقف السويدي الأخير وضع جهود الدبلوماسية المغربية تحت المجهر؛ حيث يرى إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، ومدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، أن السياسة الخارجية المغربية تشهد العديد من الإخلالات خاصة على مستوى المبالغة في ردود الأفعال التي تلي أي خطوة تقوم بها الدبلوماسية، بدل الالتفات إلى تطبيق إستراتيجية جديدة تقوم على الفعل والتشاركية، خصوصا وأن الأمر يتعلق بتحركات تتجاوز الدبلوماسية الرسمية.
ورغم أن للمغرب دبلوماسية نشطة في المناطق الأوروبية الحيوية، إلا أن هذا النشاط يبدو، وفق لكريني، فاترا في الدول الاسكندنافية، التي تعتزم الاعتراف بجبهة البوليساريو.
وتعرف هذه الدول بقوة نشاط المجتمعات المدنية فيها، والتي تعد من أقوى وأكثر المجتمعات المدنية ديناميكية في العالم؛ وهو المعطى الذي استغله خصومها في الترويج لملف الصحراء المغربية وفق ما يتلاءم مع رؤيتهم للقضية.
هذا الوضع يحتم على صانعي القرار المغربي إعادة النظر في مستقبل توجهات الدبلوماسية المغربية في هذه المنطقة؛ فمثلا يجب الإسراع بتعيين سفير مغربي سواء في السويد أو في الدنمارك، وكذلك الانفتاح على مختلف الفاعلين في إطار ما يسمى بالتوجهات المتعلقة بالتوأمة والتعاون اللامركزي الخارجي.
وتحقيق هذه المقاربة، وفق لكريني، يتطلب تكامل الدبلوماسية الموازية مع الدبلوماسية الرسمية، وأن تغير هذه الأخيرة سياسة المركزية والانغلاق وتتواصل مع مختلف الفاعلين المساهمين في صناعة القرار الخارجي، وألا تكتفي فقط بمخاطبة الحكومات والأحزاب.
ودعا في هذا الإطار الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والفاعلين على المستوى الجامعي والإعلامي، إلى ضرورة استحضار الجانب الدبلوماسي في تأطيرها وفي برامجها، معتبرا أن الدبلوماسية ليست عملا عاديا، وأنها تقتضي لغة التفاوض وإعلاء المصالح والاطلاع على تطورات الملف.
نــــقـــــــــاش وطــــــــــــنـــــــي
وتواصل استشعار الرأي العام المغربي بما يعتبره ضعفا في فعالية الدبلوماسية الرسمية في التعاطي مع الإستراتيجية الجديدة للخصوم، حتى شكّل مطلبا مهما يدعو الدولة إلى فتح نقاش وطني عميق يقضي بتفعيل دور الدبلوماسية الموازية، كآلية تكمل العمل الدبلوماسي الرسمي؛ فلا يكفي القول إن الصحراء مغربية حتى يقتنع الكل بذلك، فالقضية تحتاج إلى بذل جهود كبيرة كفيلة بإقناع كل القوى والفاعلين على الساحة الدولية والإقليمية بعدالة القضية، لا سيما في ظل وجود قوى أخرى تحارب من أجل هدف مناقض؛ ما دفع الخبراء في الرباط إلى تشديد دعواتهم من أجل تفعيل التعاون بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية في البلاد، على غرار الخطوة التي قام بها مؤخرا، الوفد المغربي الذي توجه إلى السويد في إطار المساع المغربية الهادفة إلى توضيح ملابسات الأزمة للجانب السويدي.
وقال عبدالواحد الناصر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، لـ”العرب”، إن الدبلوماسية المغربية تتسم بالاعتدال وفي كثير من الأحيان بالتسامح وتفعيل خيار السلام في العلاقات الدولية، لكنها مطالبة في نفس الوقت بتطوير صيغ جديدة تتلاءم والتحولات المتسارعة التي يعرفها النظام العالمي الجديد.
وتجاوز الضعف الحاصل في الجهاز الدبلوماسي المغربي، يكمن، وفق الناصر، أساسا في توسيع دائرة انتشار البعثات الدبلوماسية القوية وذات خبرة وإلمام بالوضع العالمي والقاري والإقليمي، من أجل كسب رهان المساندة الفعلية للقضية والنجاح في إجهاض مناورات الخصوم وأعداء الوحدة الترابية المغربية في المحافل الدولية.