دار الدباغ بـفـــاس منبع الجلد المغربي الأصيـــــــل
تشتهر مدينة فاس التي تعتبر العاصمة العلمية للمملكة المغربية الشريفة، بحرفة تقليدية امتهنها العديد من مواطنيها منذ عدة قرون، وكانت بالنسبة إليهم مهنة لكسب لقمة العيش، ومحاولة لمنع اندثار حرفة الأجداد التي تعد من أكثر الحرف التقليدية قدما بالمملكة، وهي حرفة دباغة الجلود.
قبل قرنين من الزمن، كانت فاس تحتضن أكبر عدد من دور الدباغة في المغرب، بينما كان عددها أقل نسبيا في مدن أخرى كسلا ومراكش، وكانت هذه الأماكن تحتضن آلاف الدباغة الذين يعملون على شراء جلود الماشية من أجل تدويرها وجعلها قابلة للتصنيع، لكن بطرق تقليدية ومواد طبيعية صرفة، استعملها قبل هذا العصر دباغو الإغريق والرومان، وحافظ الفاسيون عليها.
ومن بين العشرات من دور الدباغة، لم يتمكن سوى القليل من الحفاظ على استمراريته، لتصبح اليوم بالإضافة إلى كونها المكان الأساسي لدباغة الجلود بطريقة تقليدية، من أهم المعالم السياحية التي تستقطب كل زوار العاصمة العلمية المغربية، سواء كانوا مغاربة أو أجانب.
أما أشهرها فهي دار الدباغ “شوارة” فالدباغون ينتقون الجلود ويضعونها في “المركل” لمدة 10 أيام لتتشبع بألوان الصباغة، بعدما تتم تنقيتها وغسلها بشكل جيد باستعمال مواد كالجير وفضلات الحمام، ومن ثم يقوموا برميها داخل الـ «جفنة» ليتم دبغها، وهي “عملية تحتاج قوة وطول بال بسبب ما تستلزمه من تحريك مطول من أجل تشبع الجلد بالمواد الملونة.”
و أن “الألوان التي تصطبغ بها الجلود، تستخرج بالأساس من قشور الرمان والزعفران ومواد طبيعية أخرى.” ويضيف الشاب العشريني الذي احترف الدباغة منذ صغره، بعدما نقل الحرفة عن والده الذي تقاعد بسبب تقدم سنه وتدهور حالته الصحية، أن “العمال يقوموا بعد ذلك بتجفيفها، عبر تركها في مناطق عالية،” و أنهم يقومون بتحضير الجلود بدءا من مرحلة تنقيتها من الصوف وصولاً إلى صباغتها وتوجيهها للبيع لأصحاب البازارات الذين يعملون على إعادة تصنيعها.
بعد متابعة السائح لكل مراحل عملية الدبغ من سطوح البازارات، أي المحلات التي تبيع المنتوجات الجلدية النهائية، يتعاطف هذا الأخير مع العمال الحرفيين الذين يشتغلون طيلة اليوم في ظروف قاسية، ووسط رائحة كريهة تنبعث من الجلود والمواد الأخرى المستعملة في الدباغة.
ويقول بعض الحرفيين في “شوارة” والذين يتذمرون من وضعهم الذي لم يتحسن على مدى سنوات طويلة إن “كل هذه أمور يستغلها أصحاب البازارات من أجل طلب أثمنة باهضة مقابل المنتوجات الجلدية، ويوهم هؤلاء الأجانب أن نسبة منها ترصد للحرفيين.”
مملكتنا.م.ش.س