الرباط ــ فسّر سوسيولوجيون “الهالة الثقافية” التي ترافق عيد الأضحى لدى الشرائح الشعبية المتواجدة في المجتمعات الصغيرة والقصيّة، التي تعدّ “خزّاناً” يمدّ المدن الكبرى بموارد بشرية ويد عاملة “تغترب” فترة قبل أن توقظ مناسبة “العيد الكبير” قيماً مشتركة “لا تستطيع أن تفرّط فيها”.
ويعكس عيد الأضحى “جرعة هوياتية متوارثة داخل الخصوصية المغربية”، حتى لو كانت شرائح من المجتمع، خصوصا من الطبقة الميسورة والمتوسطة، “تقاطع هذه الشريعة بالنظر إلى ارتفاع وعيها وكذلك نتيجة الصعوبات التي يفرضها السكن العمودي، فضلاً عن الأسعار الملتهبة للأضحية التي تعدت الحد الأدنى للأجور”.
توقيع “النحن”
علي الشعباني، جامعي وباحث في السوسيولوجيا، قال إن غياب القدرة على العبور كلّيا نحو أفق الآخر، باسم الحداثة الشاملة، جعل عيد الأضحى ضمن أحد أكبر الحوامل الاجتماعية لتوقيع “النحن” حين يحضر في حلّة تقليدية لا تنتصر لأيّ تصور ينفلت من الأعراف المغربية التي تتمسك بها التجمعات الصغيرة.
وأورد الشعباني، في تحليل سوسيولوجي بنفحة أنثروبولوجية قدمه لهسبريس، أن هذا العيد ما زال فعلاً بطقوسيّة خاصة لم تتزحزح كثيراً بحكم تجبّر الحنين في وجدان المهاجرين نحو المدينة، حيث يجدون أن ما عاشوه في الصبا خلال هذه المناسبة ما زال بنفس الطرافة القديمة.
وأضاف أن “هذه الهجرة الجماعية أو هذه العودة المرغوب فيها هي هروب من واقع يريد أن يفرضه منزع التحديث قسراً على الناس، ولهذا يبدو لنا دائما أنه كلما انغمست المجتمعات في موجة الحداثة وقع انفجار على مستوى القيم والبيئة والثقافة”.
وتابع قائلا: “هذا العناد تجاه التحديث من خلال الارتماء في حضن الجماعة الصغيرة لا يعني الانغلاق، بقدر ما يمثّل ردّ فعل يروم تحصين المشترك الثقافي، الذي كان يمنح المناسبة الدينية معنى اجتماعياً خالصا لا يمكن النظر إليه إلاّ في القيم التضامنية التي يفجّرها”.
وعن حضور هذه القيم لدى الجيل الحالي، لفت المتحدث إلى “حرص نوع من الأجداد على زرع التمسك بالحمولة القديمة في الأجيال اللاحقة بوعي وبدون وعي، وهو من جهة أخرى هروب وانسلاخ من الأجواء التي تفرضها عليه مجمل مفاهيم الحداثة بدون أي قدرة على التفاوض معها”.
وأشار إلى أن “الآباء بدورهم عندهم ذكريات تغفو طيلة السنة ولا تبدو الفرصة مناسبة لتحريض مكنونات الذاكرة سوى خلال شعيرة الأضحى، التي جعلها العمران بطعم مختلف مثلما جعل القيم التقليدية في خانة الثانوي، وهو أمر غير حاصل في المجتمعات التقليدية”.
“عيد يحمل قيماً”
محسن بنزاكور، الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، قال إن عيد الأضحى ما زال يمثل “دينامو” لتلك الهجرة السنوية التي تتم من المدينة نحو المدن الصغرى والبوادي والأرياف والهوامش حيث ما زال العيد يحمل قيما خاصّة لم تتزحزح.
بنزاكور، وهو يشرّح لهسبريس البناء الثقافي المترسّب عن عيد الأضحى، سجل أن البحارة والعاملين في البقالة وعمال البناء، الذين يرون عائلاتهم مرة واحدة في السنة، يستثمرون ثقافيا هذه الفرصة للذهاب إلى الأهل، وهم يعرفون وفقا لتقاليد مغربية صارمة أن العودة بأيد فارغة (بالمعنى الاجتماعي للعبارة) “أمر معيب”.
وأبرز أن الفرصة الأكثر ملاءمة لتجديد اللحمة هي هذا العيد، مضيفا أن الثقافة الشعبية بدورها، وبوصفها الأكثر تعقيداً حين ترتطم ببنية التحديث، تحمل قدراً كبيرا من الوفاء للأعراف والتقاليد والقيم السائدة في المجتمع، وتكون متشبثة بشكل خيالي بعيد الأضحى ليس فقط كمسألة دينية، بل كضرورة مجتمعية.
وأوضح المتحدث أن “التقاليد العريقة جدا تنهض خلال العيد كطقوس متراصّة تبدأ مع بداية التفكير في الأضحية إلى ذبحها ثم شي الرؤوس وجلسات الشاي والشواء، إلخ”، لافتاً إلى أن “العيد، وفقا لهذه الحقائق المجتمعية، هو تجديد للعلاقة الاجتماعية ولمختلف الروابط في معناها الأبعد ثقافيا”.
ولم يغفل بنزاكور الإشارة إلى أن “الأمر ينطوي كذلك على رغبة واعية أو لا واعية للحفاظ على الخصوصية المغربية، لأن العيد في المملكة مختلف عن كل الدول العربية، وله هالة ثقافية مختلفة لن تجدها في دول أخرى، رغم أنه ليس الحامل الوحيد لقيمنا، لكنه أحد أقوى تعبيراتها”,
مملكتنا.م.ش.س/و.م.ع