“سوريا في قلب الصراع الإقليمي .. إعادة تشكيل الشرق الأوسط بين التدخلات التركية والتراجع الإيراني”

الإثنين 16 ديسمبر 2024 - 20:44

على مدار السنوات الأخيرة، أصبحت سوريا نقطة محورية في الصراع على النفوذ الإقليمي والدولي، حيث تتشابك الأطراف وتتنافس على رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط. بين التدخل التركي المتزايد والتراجع الإيراني، وبين التحولات في الموقفين الروسي والأمريكي، تبدو المنطقة في حالة إعادة تشكيل معقدة تتجاهل مصالح الشعوب السورية لصالح تحقيق أجندات القوى المتصارعة.

سوريا بين النفوذ التركي والإيراني

كانت إيران من أوائل القوى التي سعت لترسيخ وجودها العسكري والسياسي في سوريا منذ اندلاع الأزمة. لكن الضربات الإسرائيلية المستمرة للبنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، إلى جانب انشغال روسيا بحربها في أوكرانيا، أدت إلى تراجع كبير في نفوذ طهران. هذا الفراغ مكّن تركيا من تعزيز حضورها الإقليمي، مستفيدة من التحديات التي تواجه خصومها.

تسعى تركيا إلى تحقيق أهدافها في سوريا عبر أدوات متعددة، من أبرزها دعم الفصائل المحلية مثل هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني. هذا التحالف البراغماتي يعكس استراتيجية أنقرة لإعادة تشكيل النظام السوري بما يتوافق مع مصالحها طويلة الأمد، مع تقليص النفوذ الإيراني الذي كان مهيمنًا منذ بداية الصراع.

التنسيق غير المعلن بين تركيا وإسرائيل

يتقاطع النفوذ التركي في سوريا مع المصالح الإسرائيلية، إذ تتشارك الدولتان هدفًا مشتركًا يتمثل في تحجيم النفوذ الإيراني. إسرائيل، التي كثّفت هجماتها على المواقع الإيرانية وحلفائها مثل “حزب الله”، تسعى إلى تقليل المخاطر الأمنية على حدودها، بينما استفادت تركيا من هذه الضربات لتعزيز نفوذها دون الاصطدام المباشر بإيران.

هذا التقاطع في المصالح يعكس ديناميكية جديدة في المنطقة، حيث تعمل الأطراف الإقليمية على تحقيق أهدافها الفردية من خلال ترتيبات غير معلنة، تتجاهل في الغالب مصلحة الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره.

انشغال روسيا وتراجع الدور الأمريكي

كان الدور الروسي في سوريا محوريًا منذ عام 2015، لكنه تعرض للضعف مؤخرًا بسبب انشغال موسكو بحربها في أوكرانيا. هذا الانشغال ترك فراغًا في الساحة السورية، مما سمح للقوى الإقليمية مثل تركيا وإسرائيل بتوسيع نفوذها دون قيود تُذكر.

أما الولايات المتحدة، فقد أظهرت تراجعًا ملحوظًا في اهتمامها بالقضية السورية. إدارة الرئيس جو بايدن تبنت سياسة تقليل الانخراط المباشر في أزمات الشرق الأوسط، مما فتح المجال أمام تركيا وإسرائيل لإعادة ترتيب الأوراق الإقليمية. في المقابل، تشير تصريحات الرئيس السابق دونالد ترامب إلى احتمال إعادة صياغة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بطريقة تعزز التحالف مع دول الخليج وإسرائيل لاحتواء كل من النفوذين الإيراني والتركي.

الموقف العربي: الحذر والتردد

رغم خطورة التحولات الجارية، ظل الدور العربي غائبًا إلى حد كبير. الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي يراقبان التطورات بحذر، خشية أن يؤدي أي تدخل غير مدروس إلى تعقيد الأوضاع. التجارب السابقة في ليبيا واليمن والعراق جعلت الدول العربية أكثر تحفظًا، حيث تفضل البقاء على الهامش حتى تتضح معالم الترتيبات الإقليمية والدولية.

إعادة تشكيل الشرق الأوسط: بين الفوضى والنظام الجديد

ما يجري في سوريا لا يقتصر على صراع داخلي، بل يعكس تحولًا أوسع في موازين القوى الإقليمية والدولية. السؤال المطروح هو: هل نشهد إعادة إنتاج الفوضى تحت أقنعة جديدة، أم أننا أمام نظام إقليمي جديد يتشكل في الظل؟

كل المؤشرات تدل على أن المنطقة تتجه نحو ترتيبات تتسم بالبراغماتية الشديدة، حيث تتجاهل القوى المتصارعة حقوق الشعوب في الحرية والاستقلال لصالح تحقيق مصالحها. سوريا أصبحت نموذجًا لصراع الهيمنة في الشرق الأوسط، الذي يتخفى وراء شعارات مكافحة الإرهاب والاستقرار، بينما يكرس مصالح القوى المتدخلة مستقبل غامض للصراع السوري

وسط هذه التغيرات، تبقى سوريا ساحة مفتوحة للتنافس الإقليمي والدولي. التدخل التركي والتراجع الإيراني هما جزء من مشهد أكبر يعكس صراع النفوذ في المنطقة. في النهاية، تبقى الشعوب وحدها تدفع ثمن هذه الصراعات، في انتظار لحظة تضع فيها العدالة وحقوق الإنسان فوق الحسابات السياسية.

مملكتنا.م.ش.س

Loading

مقالات ذات صلة

الأربعاء 22 يناير 2025 - 15:42

الإشادة بالإرهاب .. عندما يصبح الإرهاب بطولة في أعين البعض

الإثنين 13 يناير 2025 - 10:23

النجم السياسي !!

السبت 4 يناير 2025 - 16:35

“ الجزائر .. تسابق الريح لتبقى في مكانها ! ”

السبت 4 يناير 2025 - 16:31

“ الجزائر .. تسابق الريح لتبقى في مكانها ! ”