يبدو أن الدخول إلى عالم السياسة في المغرب يشبه إلى حد كبير دخول حلبة مصارعة، حيث لا يكفي أن تكون شجاعا، بل يجب أن تملك درعا يقيك من سهام التخويف، وسيفا يقطع طريق الانتهازيين، وجرعة زائدة من الصبر لمواجهة حفلة الإشاعات والتخوين.
يؤمن مجموعة من الشباب المغربي اليوم بأن التغيير ليس مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي، بل هو مشروع ملكي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ويحتاج إلى جنود أوفياء يترجمونه على أرض الواقع. لكن، وكما هو الحال في كل معركة مصيرية، هناك من يتربص بأي نفس جديد في السياسة، خوفا من أن يفسد القادمون الجدد ما بناه “الساب السياسي”، ذلك النوع الذي يدخل الميدان ليس لإصلاح مدينته أو قريته، بل لإعادة ترتيب مصالحه العائلية والمالية تحت غطاء العمل السياسي.
أشباه السياسيين هؤلاء أتقنوا لعبة التلاعب بمشاعر العامة، وحولوا الانتخابات إلى مسرحية عنوانها “الوعد الكاذب”، فبدل أن يناقشوا البرامج، يطلقون العنان لحملات التخويف والتشكيك، مستعملين أساليب بائدة تجعل الشاب الطموح إما ينسحب أو يتحول إلى نسخة جديدة منهم، في مسلسل لا ينتهي من إعادة إنتاج الفساد.
لكن، وبعيدا عن النظرة السوداوية التي تجعل البعض يردد أن “كل الأحزاب ضعيفة ولا تصلح”، فإن الحقيقة مختلفة تماما. الأحزاب السياسية، رغم كل ما يقال عنها، تظل فضاء للعمل والتأثير، ومن أراد أن يترجم صوته إلى فعل فعليه أن ينخرط، يناقش، يقترح، ويضغط من الداخل. الإصلاح لا يكون فقط بالانتقاد من الخارج، بل بالعمل من الداخل، فالتغيير لا يصنعه المنسحبون بل الفاعلون.
كما أن التعميم ظالم، فليس كل السياسيين فاسدين. هناك نساء ورجال يحبون هذا الوطن ويشتغلون ليل نهار ، لخدمة بلدهم بإخلاص. نعم، هناك عراقيل، وهناك تحديات، لكن لا يمكن إنكار أن مغرب اليوم ليس مغرب الأمس، والمستقبل يحمل آفاقا أفضل إذا تمسك الشباب بالإرادة في العمل والمشاركة.
والأهم من ذلك، أن التغيير لا يكون فقط عبر تقلد المناصب، فالمشاركة السياسية أوسع بكثير من مجرد الترشح للانتخابات. يمكن أن تكون فاعلا من خلال المجتمع المدني، من خلال الإعلام، من خلال التوعية، ومن خلال فرض نقاشات جادة تضع القضايا الحقيقية في قلب اهتمامات الرأي العام. السياسة ليست كرسيا أو منصبا، بل هي وعي ومسؤولية والتزام مستمر بمصلحة الوطن.
أما بالنسبة للشباب، فمن الطبيعي أن يخطئ من يعمل، فالتحرك والبحث عن التغيير قد يحمل أخطاء، لكنها أخطاء التعلم والتجربة، وليست أخطاء الجمود والسلبية. أما من لا يتحرك، فهو محكوم عليه بالبقاء في دائرة الشكوى دون أي تأثير فعلي. السياسة ليست علما نظريا فقط بل ممارسة، ولا أحد يولد بخبرة سياسية كاملة، بل يصقلها مع الوقت والتجربة.
كما أن الشباب ليسوا ملزمين باتباع توجه سياسي واحد منذ البداية. فمن حق أي شاب أن يبحث، يجرب، ينخرط في أحزاب مختلفة، يكتسب تجارب متنوعة، ثم يصل إلى القناعة السياسية التي يلتزم بها ويؤمن بفلسفتها. السياسة ليست انتماء جامدا، بل رحلة من التعلم والتطور الفكري، ومن حق كل شاب أن يخوضها دون أن يتهم بالتقلب أو الانتهازية، بل بروح الباحث عن الحقيقة والأنسب لوطنه.
لكن التحدي الأكبر الذي قد يواجه أي شاب قرر خوض غمار العمل السياسي هو الضغوط العائلية. فغالبا ما تكون الأسرة، وخاصة الآباء، أول من يطالب الشاب بالابتعاد عن هذا “المجال المليء بالمشاكل”. ليس بدافع الرفض، بل بدافع الخوف. وهنا يأتي الاختبار الحقيقي: هل ستتراجع أم ستقوي نفسك؟ عليك أن تبني مناعة فكرية لمواجهة هذه التخوفات، لا بالعناد، ولكن بالإقناع. إذا استطعت أن تقنع أسرتك بأن الوقت قد حان للتغيير، وأن مشاركتك ضرورة وليست مغامرة، فأنت على أول خطوة في طريق القيادة.
الإقناع يبدأ من الدائرة القريبة، فإذا تمكنت من كسب ثقة أسرتك، يمكنك أن تنتقل إلى إقناع حيك، ثم دوارك، ثم جماعتك، ثم مدينتك، ثم وطنك. السياسة ليست لعبة فردية، بل هي فن التأثير، ومن لا يستطيع التأثير في محيطه الصغير، لن يستطيع التأثير على مستوى أكبر.
لكن دعونا لا نخدع أنفسنا، التغيير ليس مجانيا، بل له ضريبة. قد تواجه مضايقات، قد تسمع
اتهامات، قد تجد من يحاول أن يحطم معنوياتك.
لكن هل يستحق الأمر العناء؟ نعم، لأنك حين تساهم في بناء مغرب جديد، فأنت لا تفعل ذلك لنفسك فقط، بل لأبنائك وأبناء أبنائك. أنت تزرع اليوم ليحصدوا غدا مغربا يضمن الحرية والكرامة والتنمية لهم. قد يكون الثمن صعبا في الحاضر، ولكن العائد سيكون مستقبلا أفضل لأجيال قادمة.
لقد آن الأوان لطي صفحة التخويف السياسي، ووضع حد لممارسات “السياسي المقاول”، الذي يرى في الانتخابات مشروعا استثماريا لا علاقة له بخدمة الوطن. فالمغرب يحتاج اليوم إلى سياسيين حقيقيين، لا مجرد لاعبين يتقنون فن المراوغة وإطلاق الوعود في موسم الحصاد الانتخابي.
وختاما، قال الله تعالى في كتابه الحكيم: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون” [التوبة: 105].
مملكتنا.م.ش.س