الرباط ــ منذ توقيع اتفاق التطبيع بين الرباط وتل أبيب أواخر سنة 2020، يتجدد النقاش حول إمكانية تأثر هذه العلاقات بالتطورات الميدانية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما هو الحال اليوم مع العملية المفاجئة التي نفذتها حركة حماس وأدت إلى سقوط عدد من الإسرائيليين وإصابة المئات وأسر العشرات من المستوطنات المجاورة لقطاع غزة.
العملية التي أطلقت عليها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، “طوفان الأقصى”، شهدت إطلاق مقاتليها 5 آلاف صاروخ نحو المستوطنات والمواقع العسكرية القريبة لقطاع غزة المحاصر منذ سنوات.
هجوم المقاومة الفلسطينية المفاجئ رد عليه الجيش الإسرائيلي، اليوم السبت، بتنفيذ هجمات جوية على القطاع استهدفت بنايات سكنية ومواقع لحركة حماس وفصائل أخرى في مناطق متفرقة، وذلك في إطار عملية سماها “السيوف الحديدية”، في مؤشر على أن الوضع سيشتعل بشكل كبير في الأراضي الفلسطينية خلال الساعات والأيام المقبلة.
وأعربت المملكة المغربية عن قلقها العميق جراء تدهور الأوضاع واندلاع الأعمال العسكرية في قطاع غزة وتدين استهداف المدنيين من أي جهة كانت.
وذكر بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أن المملكة المغربية، التي طالما حذرت من تداعيات الانسداد السياسي على السلام في المنطقة ومن مخاطر تزايد الاحتقان والتوتر نتيجة لذلك، تدعو إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والعودة إلى التهدئة وتفادي كل أشكال التصعيد التي من شأنها تقويض فرص السلام بالمنطقة.
وعي مغربي بالصراع
في تعليقه على الموضوع وانعكاس هذه التطورات على العلاقات المغربية الإسرائيلية، اعتبر محمد العمراني بوخبزة، خبير في العلاقات الدولية محلل سياسي، أن التوترات في الأراضي الفلسطينية ستبقى “دائما إذا لم يكن هناك حل نهائي للنزاع”، مؤكدا أن المغرب على وعي بهذه الوضعية.
وأضاف بوخبزة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الرباط عندما فكرت في “إعادة العلاقات مع إسرائيل كانت على علم بأن العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية هي علاقات موشومة بالصراع”، وتابع: “المغرب فكر بشكل ملي واجتهد في أن يجعل من اتفاقيات أبراهام إطارا عاما للبحث عن الحل”.
وشدد المحلل السياسي ذاته على الطرف المغربي هو الوحيد الذي يمتلك “علاقات خاصة مع الطرفين، ولا توجد دولة في العالم لها هذه الوضعية. علاقة قومية دينية مع الفلسطينيين، وعلاقة من جانب آخر لها خصوصيتها مع الطرف الإسرائيلي بحكم وجود جالية يهودية مغربية كبيرة جدا داخل إسرائيل وفي مراكز القرار، وليست هناك دولة أخرى لها هذا الوضع”.
مؤهلات للوساطة
وأشار الخبير في العلاقات الدولية إلى أن المغرب “يمكن أن يقوم بدور مهم في البحث عن حل للقضية الفلسطينية، من منطلق أن يجعل من اتفاقيات أبراهام إطارا مناسبا لطرح حلول، خاصة أن الدول العربية سبق لها أن قدمت مبادرة للحل”، لافتا إلى أن المغرب لا يرى “أي حرج عندما يدين العمليات التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ومقتنع بحقوق الشعب الفلسطيني”.
وزاد موضحا أن المغرب في وضعه الحالي “قد يقدم الشيء الكثير للقضية الفلسطينية، عكس الوضع السابق الذي كانت فيه العلاقات غير قائمة ولم تكن هناك قنوات رسمية يمكن عبرها تصريف المواقف”.
وبخصوص وضع المقاومة الفلسطينية، اعتبر بوخبزة أن “هامش مناورات الفصائل الفلسطينية أصبح ضعيفا جدا، لاعتبارات متعددة، منها المشروع الوطني الفلسطيني الذي شهد تحولات كبيرة جدا، وانفصال قطاع غزة عن الضفة الذي خلف آثارا سلبية كبيرة على مستوى القضية”، مسجلا أن “منهجية الاشتغال طرأ عليها تحول ولم نعد نتحدث عن المقاومة بمفهومها الأول”.
أزمة المقاومة الفلسطينية
بوخبزة بين أن “غزة بمقدورها أن تحقق ربما انتصارات معينة تعيد طرح القضية على المستوى الدولي، لكن حماس عندما دخلت السلطة فقدت الجانب الذي كان يميزها كحركة مقاومة، وهي الآن تدبر غزة كحكومة وليس كحركة مقاومة من أجل التحرير”.
وأفاد المصرح لهسبريس بأن وضع المقاومة الفلسطينية تغير بـ”شكل كامل، وإذا استثنينا الجهاد الإسلامي وبعض الفصائل اليسارية التي كانت خارج توافقات أوسلو، سيكون من الصعب الحديث عن مقاومة فلسطينية، وإذا تتبعنا العمليات التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية، لم نعد أمام ذلك الزخم الذي يمكن أن تحققه المقاومة الحقيقية عندما كانت الحركات الفلسطينية حركات مقاومة”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “المشروع الوطني الفلسطيني تغير ولم يعد له ذلك الوجود، ووقع اختلاف في وجهات النظر حول مفهوم الدولة الفلسطينية. وما تقوم به حماس اليوم لا يمكن أن نعتبره ضمن المقاومة، بل هو عمليات تكون الغاية منها فتح المجال للمفاوضات حول مطالب معينة لا يمكن أن ترتقي إلى مطلب الدولة الفلسطينية المستقلة التي ناضل من أجلها الشعب الفلسطيني ودعمته كل الدول العربية والإسلامية”.
لا تأثير على العلاقات
من جهته، قال خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، إن علاقات المغرب مع إسرائيل “لن تتأثر كثيرا”، موردا أن إسرائيل “يمكن أن تعلن أنها هي التي تعرضت لهجوم من طرف حماس”.
وأضاف الشيات، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هجوم حماس رد على ما كانت تفعله دائما إسرائيل، الغاية أن تقول من خلاله المقاومة لإسرائيل إنها ليست هي التي تقرر الهجوم والحرب دائما، ويمكن أن تتلقى هجوما لا يناسب تطلعاتها وخارج توقعاتها الاستخباراتية”.
وأفاد الشيات بأن ما يجري في الأراضي الفلسطينية “صراع من نوع جديد بين إسرائيل وحماس، التي يبدو أن لها خطة لاستيعاب القوة العسكرية الإسرائيلية التي تمارسها ضدها، وأصبح لديها نوع من المناعة ضد الهجمات الجوية التي تشنها إسرائيل ضد حماس وقواعدها”.
واعتبر الخبير ذاته أن خطاب المظلومية بالنسبة لإسرائيل “قد يجد صدى أوسع على المستوى الدولي، ولا أعتقد أن المغرب سيضع سؤالا حول من هي الجهة التي قامت بالهجوم، ولكنه ليس في حرج فيما يتعلق بإسرائيل، وليس ملزما بأن يعبر عن موقف داعم لحماس، كما أنه غير ملزم بأن يقف إلى جانب إسرائيل”.
وتوقع الشيات أن استمرار المغرب في تعزيز علاقاته الاستراتيجية مع إسرائيل “يمكن أن يؤثر على علاقات المغرب مع حماس، لأن المغرب يريد أن يكون المجال أوسع للسلمية والتفاهم ووضع خطط للحل، وعدم إعطاء الفرصة للحكومة الأكثر تطرفا في إسرائيل للاستمرار في نهج الحرب وتوسيع المستوطنات”.
كما أشار إلى أن التصعيد الذي قامت به حماس “سيصعب على المغرب استيعابه وإن كانت العملية أحادية وذاتية داخلية ليس لها علاقة أو تنسيق مع أي جهة خارجية”، واستدرك بأن هذا الأمر “لن يحرج المغرب، وسيجعله في مجال بعيد عن التعبير عن أي موقف إلا الدعوة إلى الحرص على السلام وإيجاد حل للقضية الفلسطينية، بما فيه قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وحل الدولتين كما دعا إلى ذلك في مناسبات متكررة”.
مملكتنا.م.ش.س/وكالات