يتوفر المغرب على “ثروة غابوية قومية” فريدة من نوعها في العالم، هي شجرة الأركان، التي تنتج زيتا للتغذية وللتجميل، وصلت سمعته إلى اتجاهات العالم الأربعة، وأصبح جزءا من سمعة المغرب عبر العالم.
وتعاني شجرة الأركان، بحسب الخبراء، من التأثير السلبي للتغيرات المناخية، ومن ظاهرة الاستغلال المفرط، ومن هجوم قطعان الماشية للرعي خلال فترات الجفاف، ومن مزاحمة الفلاحين المتطلعين للاستفادة من أراضيه، فإلى أي حد نجح المغرب في حسن استغلال عائدات هذه الشجرة، وهل تعاني الأركان من خطر الانقراض؟
الأركان و رحلة الإنتاج
في رحلة البحث عن الأركان في جنوب المغرب، البداية من جبال الأطلس الكبير، في ضواحي مدينة أكادير، من مقر تعاونية نسائية فلاحية، اسمها أفولكي.
فبحسب السيدة فاطمة آيت موسى، رئيسة تعاونية، يصل الأركان حبا بالقشور، وأول خطوة في مسلسل الإنتاج هي التخزين في شروط تحترم السلامة الصحية، قبل أن يبدأ الاستخراج بطرق تجمع ما بين التقليدي اليدوي، والعصري باستخدام الآلات، في تجاوب مع طلبات الزبائن.
في العام 2004، دخلت السيدة فاطمة عالم الأركان، لتحصل خلال عقد كامل من الكد على شهادات تقديرية عالمية بعد أن وصل إنتاجها إلى كبريات المحلات وشركات التجميل عبر العالم، وتعترف السيدة فاطمة “للعربية” أن المرأة القروية المغربية تمكنت من الإنفاق على أولادها، وعلى دراستهم وألبستهم وغذائهم اليومي عبر اشتغالها في الأركان.
وتعترف السيدة فاطمة باشتغال 150 امرأة في تعاونيتها أفولكي، بالإضافة إلى 1500 امرأة في اتحاد موسع للتعاونيات، النسائية في أكادير.
وبلغة الأرقام، يصل سعر اللتر الواحد من زيت الأركان في السوق العالمية، إلى 3000 يورو.
8000 هكتار من الأركان
تتحدث التقديرات في المغرب، عن 8000 هكتار من شجر الأركان، إلا أن أجراس الإنذار لا تتوقف عن التنبيه خلال السنوات الأخيرة، بحسب نشطاء المجتمع المدني غير الحكومي، قالو أن “تراجع سنوي متواصل لأعداد الأشجار”.
فخلال ساعة ونصف الساعة من الطريق الملتوية والوعرة بين جبال الأطلس الكبير، في ضواحي مدينة أكادير، يصير مشهد أشجار الأركان “رمادية اللون واضحا جدا”، بسبب الجفاف الذي توالى على المنطقة، لعامين اثنين متتاليين.
وفي رحلة البحث عن واقع الأركان في المغرب، تصل العربية إلى قرية أزيار، في ضواحي مدينة أكادير، للقاء امحمد بوخنفر، من أقدم الفلاحين المغاربة، من الذين كانوا سباقين إلى إيصال الأركان إلى العالم، قبل سنوات طويلة، ففي هذه التعاونية تعمل 100 امرأة في الأركان.
الهرس قبل العصر
تجلس النساء المغربيات في قاعة واحدة، وباستخدام حجر على شكل مستطيل، تهرس المرأة الحبة الواحدة من الأركان، وعلى حجر آخر، أكبر حجما، وموضوعا على الأرض، لإزالة القشرتين الخارجتين.
ويخضع حب الأركان للتحميص، عقب التقشير، قبل نقله إلى آلات عصرية للعصر واستخراج الزيت الصافي والطيبعي، وقبل حفظ الزيت في خزانات معدنية غير مسربة للضوء، وفي شروط صحية صارمة تستجيب للمعايير الدولية، لأن مقر التعاونية يخضع لرقابة صحية حكومية.
ففي حديث “للعربية”، يؤكد امحمد بوخنفر أن “لا شيء يضيع في الأركان” فمخلفات استخراج الزيت” أو ما يسمى بـ “الفيتور”، يتحول إلى “صابون طبيعي” وإلى “مكون أساسي في مواد التجميل”.
كما أن القشرة الأولى للأركان تصلح علفا للماعز فيما “القشرة الثانية والصلبة تتحول إلى وقود لنار التدفئة والطبخ.
غابة من المشاكل
ووراء نجاح واستمرارية التعاونيات العاملة في الأركان، تقف سلوى بن كيران، رئيسة قسم العمل الاجتماعي في محافظة أكادير، من خلال “إدارتها للمساعدات المالية التي تقدمها الحكومة” لكل النساء الراغبات في “محاربة الفقر عبر الأركان”.
وبمساعدة من فريق عمل كامل، ترافق بن كيران نساء تعاونيات الأركان في كل المراحل، ما أدى إلى خلق جيل نسائي غير مسبوق في تاريخ المغرب، في منطقة إقليم سوس في جنوب المغرب، من نساء قياديات يحاربن الفقر والتهميش والعزلة في القرى النائية، عبر الأركان.
وإنتاج الأركان في المغرب، ليس صورة وردية بالكامل ولكنها “شجرة تخفي وراءها غابة من المشاكل”، بحسب “محامي الأركان”، بالرغم من اعتراف للاقتصاديين بأن الأركان “قطاع مربح ماليا” و”موفر لغرص للشغل”، ففي العام 2013 “أنتج المغرب 900 طن من الأركان”.
وفي مدينة أكادير، تلتقي “العربية” بفاطمة أيت موحوتش، خبيرة مغربية متخصصة في الأركان، لتعلق بأن “ما بين 240 أو 250 تعاونية تشتغل في مجال الأركان”، إلا أن “النصف أو أقل من ذلك، ينجح في التصدير إلى الخارج”، معبرة عن انزعاجها الشديد لأن “حصة الأسد من تصدير الأركان” تظل “محصورة على الشركات سواء الأجنبية أو المغربية” أي عدم استفادة القرويات المكدات سنويا في الأركان.
وتدعو الخبيرة المغربية، إلى تثمين الأركان داخل المغرب أي “التفكير في صناعة مشتقات تجميلية وغذائية للأركان، في مصانع وفي مختبرات مغربية”، ومن ثم “تصدير هذه المنتوجات إلى الخارج”.
وفي جولة ميدانية خارج مدينة إكادير، يقود ميلود العربية إلى “مشروع نموذجي وفريد” لـ “زراعة شجر الأركان” لأن “الأركان ليس شجرة معزولة لوحدها”، فهو “مرتبط بالمحافظة على المجال البيئي، والمحافظة على حماية المنطقة من التصحر، والمحافظة على حماية الاستثمارات التي تهدده، فهو يحميها من التغيرات المناخية”.
تدهور سنوي لأشجار الأركان
ويكشف ميلود للعربية، أن “الأرقام تتحدث عن تدهور مجال الأركان بـ 600 هكتار في السنة”، مضيفا أنوهذه الأرقام قديمة ويمكن أن تكون اليوم أكثر، مشددا على أنه في بداية القرن كان الحديث عن “مليون هكتار كمساحة للأركان” فيما “اليوم الأرقام أقل من ذلك بكثير”.
وبحسب ميلود فإن “التحدي الأكبر الذي يواجهه” مع فريق عمله من النشطاء غير الحكوميين، هو “تغيير سلوك المواطن المغربي”، حيال أشجار الأركان مع حاربة الرعي الجائر الذي يصفه مولود بـ “الخطر الداهم القادر على الفتك نهائيا بالأركان”.
وكلمة الأركان من اللغة الأمازيغية، أو “أركانيا سبينوزا” وفق الاسم العلمي، هي تسمية لـ “شجرة مباركة” عند المغاربة بحبها وزيتها وسمعتها العالمية.
ففي غياب حماية قانونية صارمة في المغرب، فإن شجرة الأركان مهددة بالانقراض” بحسب الخبراء، خلال نصف قرن المقبل، إذا لم تتخذ المملكة حزمة إجراءات للمعاقبة القانونية لكل من يتجرأ على إلحاق الضرر بهذه الشجرة “المدرة لفرص العمل” والمساهمة في سمعة المغرب دوليا و”المنتجة لأكبر زيت مطلوب في مواد التجميل.
مملكتنا .م.ش.س